تكبيرة الولايات المتحدة الأميركية، في عَرف سياسييها

إبراهيم محمود  

  
لا يجد السياسي الأميركي أي غضاضة للاندفاع
في التعبير عمن يكون، كونه محظوظاً لأنه ولِد أميركياً، ومحظوظاً، لأنه عاش على
تربة أميركية، ومحظوظ لأنه خدم أميركا، ومحظوظ إذ يعدُ نفسه أنه سيثاب من قبل
” مواطنيه ” على ولعه الأميركي، دون أي شعور يذكر بالخطأ، تجاه أي فعل
يمكن محاسبته عليه، طالما أن النية هي خدمة أميركا الدولة، أميركا القارة، أميركا
العالم ! 
في مذكرات بيل كلينتون” حياتي “:
ترجمة: حسام الدين خضور، دار الرأي، دمشق، ط1، 2004، وفي قرابة 1000 ص من القطع
الكبير، ثمة دفق معلوماتي عن هذه العلاقة، حيث المرآة الأميركية تعكس الصورة
المشتهاة أميركياً في المجمل، كما في حديث كلينتون ” تولد 19 آب 1946 “،
عن الإرهاب على خلفية أحداث 11 أيلول 2001، ورعب المتحصل طبعاً، وما يجب القيام
به، جهة الانتصار المطلوب على الإرهاب،
 حيث إن ذلك لا يتم بسرعة( وسيكون التحدي الأكبر
في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين . ص 983 )، وأن من بين الأشياء التي على
أميركا القيام بها، وهي خمسة “، تكون ( محاربة الإرهاب . ص 983 ) أولاً، وفي
الصفحة ذاتها، ما يؤكد ذلك اليقين الرئاسي، وحس المواطنة العالي لديه وهو ( لن
يدحر الإرهاب أمتنا، سنهزمه .)، وهو اليقين الذي يحيل الإرهاب خارجاً، وأميركا هي
المهددة به، وتلك ثنائية تتجاوز طبعتها المانوية، إنما توليفة هوليودية، ربما كان
” رامبو ” أكثر جدارة بحملها بالمعنى المجازي . 
بالنسبة لوزيرة خارجيته ” مادلين
أولبريت ” ومن خلال مذكراتها هي الأخرى” سيرة ذاتية “، تعريب: د.
محمد توفيق البجيرمي، منشورات دار الحوار الثقافي، بيروت، ط1، 2004، في 750 ص من
القطع الكبير، يكون التوجه ذاته: 
ففي فصل له مغزاه ” صدّاع حسن “،
وهو تعبير له عمقه الدلالي، يجري الحديث عن حرب الخليج الثانية، وحقيقة عراق صدام
حسين، وتلك اليقينية التي كانت تلون أفكارها ( إني لا أزال مقتنعة بأن نهجنا تجاه
العراق كان صحيحاً في مكانه وزمانه..)، ثم ( وكما قال الرئيس كلينتون سنة 1998،
فإن الزعيم العراقي يهدد ” أمن العالم “، وإن أفضل طريقة لإنهاء ذلك
التهديد مرة واحدة وإلى الأبد، هي المجيء بحكومة عراقية جديدة. ص 417 ). 
طبعاً المقبوس  هنالا يستهدَف منه الطعن في إزاحة صدام، وإنما
في المترتب على ذلك، وما عومل به كتخطيط سياسي وحتى اللحظة. 
أكثر من ذلك، ومن باب الطرافة، حين تستشهد
بماركيز الكولومبي الكبير والراحل كقامة أدبية شامخة، باعتباره صديقاً لها، ومن
خلال روايته ” مئة عام من العزلة” بقولها عن كوننا ( قراء واقعين في فخ
دوائر الحياة التي لا مهرب منها، كما نحن واقعون… ثم: لقد تعلمت أن أكافح، ليس
لأن هناك، أي ضمانات للنجاح، بل لأن الكفاح في حد ذاته هو الطريقة الوحيدة للحفاظ
على الأمل مع الحياة..ص718-719 ). 
لكن ذلك لا يحول دون رؤية الأرضية التي تقف
عليها أميركا جهة الإرهاب وأبعاده كونه يتحداها، أو بات يتحداها في عقر دارها، كما
يُستشف مما أثاره مدير المخابرات المركزية الأميركية  “جورج تنيت ” ما بين عامي 1997-2003
“، وذلك في كتابه السيري هو الآخر، وبالاشتراك مع ” بيل هارلو “:
في قلب العاصفة ” السنوات التي قضيتها في السي آي إيه  “، ترجمة: عمر الأيوبي، منشورات دار
الكتاب العربي، بيروت، والذي يتجاوز الـ 500 ص، وذلك حين يشير إلى الإرهاب بالحرف
( أصبح الإرهاب مادة كوابيسنا اليومية، لكن شبح مجموعة إرهابية تمتلك قدرات نووية
شيء يسبب لي أكثر من أي شيء آخر، أرقاً يومياً . ص 503 )، وذلك على خلفية من أحداث
11 أيلول 2001، هو الآخر. 
لعل المؤكد هنا أن نسبة المخاوف زادت لدى
الأميركي العادي، فكيف بالأميركي الآخر: السياسي وفي تعدد مواقعه، ولا بد أن
الناظر إلى ما يجري في الداخل الميركي وما يجري في العالم الأبعد جغرافياً، كما هو
الحديث المتداول، وعلى أعلى مستوى بصدد الإرهاب، يفصح عن أن الإرهاب يتداخل مع
الكثير من تصورات الأميركي، وأوباما في قلب الدائرة، ليكون الإرهاب أبعد مما هو
مثار حوله وباسمه، وأنه لا يقاوَم على الأرض من الأعلى، إنما بطرق أخرى، كما هو
الملموس من خلال متابعة ملموسة، أعني بذلك أن أميركا التي تعرّف بنفسها فضائياً،
تحتاج إلى الدخول في الامتحان الأرضي، وهذا يتطلب الكشف عن قوى أخرى تعنيها في
الصميم على مستوى السياسة والدبلوماسية والنظرة إلى العالم وإلى صورة الذات في
المرآة التي تعنيها. 
أقول ذلك، وأنا أشير أخيراً وليس آخراً إلى
مدى سعادة السفير الرئاسي الأميركي في العراق” بول بريمر ” وعبر كتابه :
عام قضيته في العراق” النضال لبناء غد مرجو “، بالاشتراك مع مالكولم
ماك- كونل، ترجمة: عمر الأيوبي، دار الكتاب العربي، بيروت،ط1، 2006 ، في 496 ص من
القطع الكبير، وهو يعبّر عما يراه في العراق الذي غادره: وقد تحققت آماله في
المستقبل ” ص 473 ” وهو يترك كلمات يتردد صداها وراءه، كما لو أن
الإنشاء العاطفي يؤاسي الواقع المدمر والمدمى ( ستبقى قطعة من قلبي دائماً هنا في
بلاد النهرين الجميلة، بوديانها الخصبة، وجبالها الساحرة وشعبها الرائع. وبوصفي
دارساً للتاريخ، تعمق احترامي للتاريخ الذي يفتخر به العراق، ولأنني عشت هنا، عرفت
لماذا كانت بلاد ما بين النهرين منذ آلاف السنين مهداً لأفضل ما في تاريخ
الإنسانية …ص496 ) . 
تُرى لو أن السياسي هذا تخلى عن لغة الإنشاء
وإثر هذه السنوات، كيف يراها الآن ؟ 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…

نظام مير محمدي* في الغالب، فإن النظام الإيراني يبدو في حالة لا تمکنه من أن يصر على إن أوضاعه على ما يرام وإن ما حدث خلال العامين الماضيين الى جانب ما يحدث له حاليا على الاصعدة الداخلية والاقليمية والدولية، لم يٶثر عليه سلبا، ذلك إن الامر قد تعدى وتجاوز ذلك بکثير ولاسيما بعد أن تناقلت…