الغازيان: أتاتورك وأردوغان وبينهما داعش الآن

 ابراهيم محمود  

  
المسافة الفاصلة بين أتاتورك وأردوغان هي
ذاتها المسافة القائمة بين الخليفة المضمَر والقائد العلماني الطابع ورئيس أول
جمهورية تركية: أتاتورك بقبعته المقدَّرة، والقائد العلماني المضمر وخليفة تركيا
مستحدث: أردوغان بعمامته المقدرة. 
الأول ينادي بتركيا التركية ولا سواها،
والثاني يعدّل العبارة، بقولة: لا بأس من وجود غير الترك إنما لا تنسوا أن تركيا
تركية. 
الأول، لم يخف حبّه للكرد وهو يتصل
بمسئوليهم: من مشايخ وزعماء ووجهاء حتى ” يشتد حيل تركيا المنشودة “،
وتمسكن حتى تمكن ليحصد الجميع من ذوي ” الأخوة الإسلامية ” بسيف الحداثة
التركية العلمانية المتأوربة كل رأس أضناه حب التنوع، والثاني، لا يخفي حبه للكرد
الذين لولاهم لما كان هو” السيد الرئيس ” وبوجهه الصبوح، كما هي متطلبات
السياسة المناوراتية، ليطعّم شرقيته بمداها التركي العثمنلي بعلمنة متأوربة لها
صداها التركي العثمنلي ضمناً، وربما ليكون ” ذا القرنين ” في عصره، وهو
يحصد المأخوذين بـ” الأخوة الإسلامية ” حيث يضحى بها من أجل وحدة
البلاد، وحدة يرضى عنها الله ورسوله وصحابته والتابعون وتابعو التابعين لإغاظة
الأعداء حتى لو كانوا من أهل المكان.. 
لا أدل من تلاقي الغازيين أتاتورك وأردوغان
من اللحظة الراهنة حيث يتم التشديد على الإرهاب، ليكون الغازي الثاني على خطى
الغازي الأول ” والأول لا ينفصل عن أول غاز ٍ، هو أرطغرل، حين تمكن من
الإعلان عن تكوينه السياسي من خلال ولده عثمان، لتأتي الدولة العثمانية نجيبة اسم
الغازي وصفته في السيطرة على المكان قبل سبعة قرون ونيّف “، وليمتد أردوغان
بدوره في المكان، أو ليدير شئون المكان وأهليه بمعانيه باسم أخوّة الدين ووحدة
البلاد، ووحدة لغة البلاد، وقانون البلاد، والظل الأوحد لخليفتها المقدَّر . 
إنما هل يستطيع الغازي أردوغان” ومن باب
المفارقة هنا ” أن يحافظ على وحدة البلاد والبلاد ليست وحدة اسمها: تركيا،
وفيها من الأفخاخ التي تتهددها ومن خلال ناصبيها: أردوغان والعسكر حتى اللحظة ،
وما هو داعشي جار تبنيه، حيث الغزو يتم عبره؟ 
ربما حتى الأمس القريب جداً، كنت أنوّه إلى
مدى مقدرة تركيا، ومنذ انفجار الأحداث في سوريا باسم الثورة أو غيرها، على إدارة
الأمور الحدودية الجبهوية والداخلية والخارجية، سوى أن الذين كانوا يقيمون على
الحدود الجنوبية الشرقية، قبل غيرها، كانوا يعيشون نوعية السياسة المتَّبعة ، أي
جنوح أتاتوركي، ومناورة أتاتوتركية كانا يسمَان الحالة، حيث كان هناك من صاروا
باسم داعش، ومن سعوا إلى إيجاد وتغذية النفوس والرؤوس بما هو داعشي، كمرحلة متقدمة
في ممارسة الإرهاب الديني الطابع باتجاه سوريا، وتحديداً ضد الكرد، كما تشهد
” سري كانيه ” منذ سنتين ونيّف “، وحتى اللحظة، والآن ومنذ حين من
الدهر” كوباني ” الصداع التركي الأردوغاني المزمن باسمه الكردي وعلى
الحدود وبالتناظر مع ” سري كانيه ” كذلك، ولكن المتحولات أو المستجدات
لها قوانيها التاريخية، إذ يستحيل أن يحافظ المرء وفي آن معاً على العمامة والقبعة،
أن يحلف باسم الله بلكنة تركية لا تخفي من يكون الناطق، وباسمه يكون إصدار الأوامر
لإراقة دماء من يريد التخلص منهم، أو أعدى أعدائه في الساحة: الكرد ؟! 
الداعش الناطق بالتركية، رغم عربيته أكثر من
سواه عدداً، والداعشي المترنم بالتركية وهو القادم من الجهات الحدودية: الشيشان
والتركستان وطاجيكستان وباكستان وأفغانستان ..الخ، والداعشي الذي لا يعرف من
التركية إلا اسمها الذي يستولي على مساحة جغرافية واسعة تسمى تركيا، ومنها وعبرها
يتهيأ لعبور الحدود الغربية والجنوبية الشرقية ليؤكد على أن داعش هو صمام أمانها
إلى إشعار آخر، هو رهانها في حصاد المشتهى حتى إشعار آخر، لكنه الداعشي الذي لا
يمكنه التستر على تركيا المدعشنة طويلاً . 
ربما تركيا أردوغان في مأزق الآن، مأزق لم
تألفه منذ سنوات وسنوات، وهي على المحك إزاء تحالف الدول التي شددت وتشدد على
محاربة الإرهاب الداعشي، ومأزق أردوغان هو انفجار مآزق تاريخ تركيا ” الحديثة
” مذ كان أتاتورك، وهي لا تستطيع التمويه على الذين يتهجون اسم الله ورسوله
وآيات قرآنية لها صلة بـ” الجهاد الداعشي “: النسخة الأحدث مما هو
إسلاموي، على أراضيها، انفجار سدّي لا أعتقد أن قراءة سورة ” الكرسي ”
أو ” ياسين ” أو أية سورة قرآنية أخرى كتعويذة حامية، إذا كان ”
الأخ  المسلم : آبيه ” أردوغان يؤمن
بها حقاً، بقادر على إدارة دفة البلاد وهي تتبلقن، وألسنة تتقاذفها هنا وهناك،
والكردية لوجودها القومي بالمرصاد، وأمام سمع وبصر العالم . 
ربما الحدود تمرّر منغصات أو تخفف منها،
ولكنها لا تستطيع طمأنة حاضنة المنغصات وتأميمها منها كما تشتهي، وداعش لم يكن ولن
يكون الدواء الناجع أو العقار السحري لمداوة المرض الوبيل لتركيا المؤتركة ”
من أتاتورك “، وقد كشفت عما يتحرك على الجانبين، وعلى وقع ناقوس/ بوق
إسرافيلي كردي ” ربما ” يلوح ليس خطر الانقسام وإنما لزوم يقظة التركي
على أنه ليس التركي إلا ضمن حدود معينة، وليس كما هو معلوم الآن. وبالنسبة للكرد،
لا بد أن يعلَم جيداً أن كردستان لها جهات أربع، وأن الجهة الجنوبية الشرقية منها
لا يجب ألا يغفَل عنها تحت أي ذريعة، على الأقل حتى يشعر أهل الحل والعقد من ذوي
التحالف الدولي المشدّد على الإرهاب الداعشي ومن وراءه أن كردستان التي تشير بسبابتها
الكبرى إلى جهتها الجنوبية الشرقية، إنما تعلِم بوجود مكامن إرهاب داعشي وأوكاره،
وإمكان تتبع خطوطه وخطاه حتى النقطة التي يتمركز فيها الغازي التركي المستحدث الأخير:
أردوغان ، والأكثر من ذلك، وبمناسبة معلومة: أن كردستان ليست اسكتلندا التي تسعى
إلى الاستقلال والانفصال عن انكلترا بعد ثلاثة قرون وزيادة، وإنما هي كردستان في
جزء منها، وهي كردستان الموحدة، وحدة تؤخَذ بعين الاعتبار، إذا ما أخِذ الإرهاب
بنسخته الداعشية المعلنة وتحت أسماء أخرى بعين الاعتبار أيضاً إنما في الجهات
الأربع، ودون ذلك سيستمر الإرهاب. دققوا فيما هو كردستاني، تعرفوا كيف يستنسَخ
الإرهاب ومن يرعاه وشرف عليه ويستمر به هنا وهناك ..   
  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…