منذ أن بدأت الثورة السورية في منتصف أذار 2011 في مواجهة الظلم والاضطهاد وغياب الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، المنتهجة من قبل النظام الاستبدادي في سوريا، وما رافقها من تطورات مختلفة، وخاصة لجهة تحول مسارها من السلمية إلى العسكرة وحمل السلاح للدفاع عن النفس، بسبب إصرار النظام على التعامل الأمني معها واستخدام العنف والقوة المفرطة، والذي أدى إلى وقوع عشرات الآلاف من الضحايا، شهداء وجرحى ومعتقلين ومحتجزين ومختفين قسرياً وضحايا التعذيب وجرائم هتك الأعراض والاغتصاب.
ونتيجة لما قام به النظام من أعمال العنف والقمع والتغول في القتل والإجرام، ودعم التطرف والإرهاب وحواملهما، برزت على السطح في المجتمع السوري، الذي يتميز بغناه وتنوعه القومي والثقافي والسياسي والديني والطائفي والمذهبي، حالة من التقوقع والخوف والتوجس والاستقطاب الشديد بين مختلف مكوناته.
وهذه الحالة كان قد أسس لها النظام الاستبدادي خلال عقود حكمه الماضية، بسبب سياسته القائمة على العنصرية القومية والفكر الشمولي، وما نجم عنها من ظلم واضطهاد وتمييز وحرمان من الحقوق والحريات، وتطبيق للمشاريع والقوانين والإجراءات الإستثنائية بحق أبناء الشعب السوري، وخاصة الكورد منهم، الذين عانوا ولا يزال من الآثار السلبية الضارة، لهذه السياسة الشوفينية المقيتة، ما أدى إلى نفي وجوده وحرمانه من ممارسة حقوقه القومية والوطنية الديمقراطية والشطب عليه وإخراجه من حياة البلاد العامة، وإلى غياب الديمقراطية ولغة الحوار وثقافة المواطنة والتعايش المشترك وقبول الأخر في المجتمع السوري ككل.
وأن حالة الاستقطاب الذي أشرنا إليها بين مكونات المجتمع السوري، تتعمق وتزداد حدة وبروزاً وعنفاً، يوماً بعد يوم مع إطالة عمر النظام المجرم، الذي يعمل جاهداً وبكل الوسائل والإمكانات المتوفرة لديه، على تأجيجها وانتشارها بقوة في طول البلاد وعرضها، لإظهار نفسه على أنه الوحيد القادر على حفظ الأمن والاستقرار في المجتمع، ولعب دور الوسيط والحكم بين أبناءه وحمايتهم من بعضهم البعض.
وفي موازارة ذلك ومع كل الأسف، نرى أن هناك غياب شبه كامل لبرنامج وطني للمعارضة السورية وخارطة طريق لبناء سوريا المستقبلية، يكون الأساس فيها للديمقراطية والتعايش واحترام حقوق الإنسان والاعتراف بحقوق مكونات الشعب السوري في تقرير مصيرها بنفسها وفق القوانين والمواثيق والعهود الدولية.