هل يعود صدام حسين مجدداً ؟

 الدكتور عبد الحكيم بشار



في يوم من الأيام وقبل عدة عقود من الزمن كان صدام حسين معارضاً لنظام حكم ديكتاتوري في العراق وهو بهذا المفهوم السائد آنذاك ووفق معطياته فإنه كان ثائراً على الاستبداد كان معارضاً وملاحقاً ، أي أنه كان يقف في الخندق المعادي للديكتاتورية والاستبداد السائد في العراق ، كان يتصل مع باقي الأحزاب العراقية ويعمل معها لإسقاط الديكتاتورية
وإذا كان النظام البديل الذي يفترض أن يكون ديمقراطياً طالما يأتي على أنقاض الديكتاتورية ولكن هل تحققت تلك المعادلة ؟ هل إن صدام كان يعد ثائراً وديمقراطياً ووطنياً ؟ لقد أثبتت الأحداث والوقائع وبعد استلامه السلطة أنه من أعتى الديكتاتوريات وأنه من أشد المعارضين للديمقراطية والثورية ، إنه دكتاتور القرن العشرين بامتياز ، إنه صاحب أكبر المجازر في القرن العشرين ، إن سجله الأسود بات يملأ الدنيا وقد يكون أكثر السجلات دموية وعنصرية وشوفينية بعد الخمسينات من القرن الماضي .
لقد ذهب صدام وأسقط عن الحكم وأدخل السجن وهو الآن يواجه محاكمات لارتكابه جرائم سوف تصل عقوبتها إلى آلاف السنين من السجن وعشرات المرات من الإعدام ، ثم دخل العراق مرحلة جديدة ، مرحلة تبشر بالخير والاستقرار والديمقراطية ، مرحلة يتعظ فيها من دروس الديكتاتورية وويلاتها ومآسيها ، مرحلة يجب أن تكون مصلحة الوطن فوق كل شيء ، مرحلة تنحل فيها المصالح الشخصية وتتلاشى أمام المصالح العامة ، ولكن يبدو أن التاريخ في العراق كان سيعيد نفسه ويعيد إنتاج صدام حسين بعقله وفكره وسلوكه وكل صفاته ولكن باسم آخر لولا تدخل عدة عوامل وظروف ضاغطة وقوية منعت من هذا الإنتاج وهذا الظهور الجديد ، إنه هذه المرة السيد الجعفري والذي أثبت خلال حكمه ورئاسته لمجلس الوزراء العراقي خلال سنة وعدة أشهر إضافية أنه فشل تماماً في تحقيق أية وعود قطعها على نفسه ، فلم يستطع أن ينجح في تحسين العلاقة بين الشيعة والسنة بل زادها توتراً واحتقاناً ، لم ينجح في حسم المسألة الكردية وخاصة تلك التي تتعلق بكركوك ، لم ينجح في تحسين مستوى الأمن والاستقرار ، لم ينجح في تحسين المستوى الاقتصادي ، لم ينجح في ترسيخ الوحدة الوطنية العراقية .
لقد فشل فشلاً ذريعاً في كل المهام التي تصدى لها ودفع الأمور باتجاه الأسوأ ، وكانت نتيجة الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق والتي أعلنت نتائجها رسمياً قبل أكثر من شهرين ، اعتبر الجعفري مرشحاً لقائمة الائتلاف بفارق صوت واحد على منافسه إذ حصل على (63) صوتاً مقابل (62) صوتاً لمنافسه ، وهذا الرقم (63) يشكل أقل من 25% من عدد أعضاء البرلمان البالغ (275) نائباً ، وبموجب هذا الترشيح للجعفري والذي فشل في مهامه السابقة فقد اعترضت كل الكتل النيابية الأخرى على ترشيحه ( قائمة التحالف الكردستاني ، التوافق العراقي ، جبهة الحوار ، قائمة العراقية ) وكل القوائم خارج الائتلاف ، ورغم أن العراق دخل مرحلة جديدة كادت تنذر بوقوع حرب أهلية وشيكة بين السنة والشيعة ، ورغم الفراغ الدستوري الذي استمر أكثر من شهرين ، ورغم الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية التي يعيشها العراق ، ورغم عدم تمكن البرلمان من انتخاب الرئاسات الثلاثة ( رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ، ورئاسة الوزراء ) والذي يعود سبب ذلك كله إلى ترشيح الجعفري وتمسكه بهذا المنصب وسعيه إلى الوصول إلى رئاسة مجلس الوزراء واضعاً مصلحته الشخصية ونزعته الفردية وحبه للحكم المتسلط فوق مصالح العراق العليا ومصالح شعوبه وأمنه واستقراره ، وإن نزعته هذه وسلوكه وعقليته لا تختلف من حيث الجوهر عن عقلية صدام حسين ورغم أنه مثل صدام حسين كان معارضاً يوماً ما ، ولكنني أعتقد أن الظروف المحيطة به سواء لجهة ضعفه العسكري والاقتصادي أو لجهة وجود قوات التحالف الدولية أو لجهة رفض باقي فئات الشعب العراقي وقدرته على تنفيذ هذا الرفض بعدة وسائل ، أقول لولا هذه الظروف ولو امتلك الجعفري نفس المقومات وعناصر القوة التي امتلكها صدام حسين لتصرف وفق نفس المنهج ونفس السلوك ضارباً عرض الحائط كل مصالح الشعب العراقي أمام نزعته الفردية وحبه للحكم والسيطرة ، ولكنني أعتقد أن الشعب العراقي بجميع مكوناته لن يسمح بعودة صدام حسين مجدداً وبلباس آخر أو اسم آخر .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…