قتل السوريين مسألة فيها نظر

المحامي مصطفى
أوسو


 
  يعد السلاح الكيمياوي، أحد أخطر أنواع الأسلحة الغير
تقليدية على الإطلاق وأشدها فتكاً ودماراَ… على الإنسان والطبيعة في آن واحد، وهو
يستخدم من قبل الأنظمة القمعية والاستبدادية. ونظراً لخطورة استخدام هذه الأسلحة،
التي تفتك بآلاف البشر، اقدم المجتمع الدولي على البحث عن وسائل وآليات لحظره ومنع
استخدامه، فكان بروتوكول عام 1925 الذي حظر استعمال الغازات الخانقة أو السامة أو
ما شابهها وللوسائل البكتريولوجية في الحرب، قفزة نوعية في إطار العلامات الفارقة
في القانون الدولي الإنساني، تبعه صكوك قانونية أخرى في شكل اتفاقيات اعتمدتها
الدول عامي 1972 و 1993 ورغم ذلك لم يففل الباب بشكل نهائي على استخدام هذا السلاح
الفتاك في الحروب، وضد إرادة الشعوب وتطلعاتها المشروعة، من قبل بعض الدول
والأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية الموغلة في القمع والقتل والإجرام والتنكيل، 
ولعل أكثرها وحشية في العصر الحديث، ما اقدم عليه، نظام
المجرم بشار الأسد، ضد الشعب السوري.
   ففي صبيحة
يوم 21 أب 2013 استفاق أهالي الغوطتين الشرقية والغربية في دمشق، على هول
المشاهد المروعة للموت، ولكن هذه المرة بدون دماء ولا أشلاء، كان الموتى يبدون
وكأنهم يغطون في نوم عميق بعد قصف النظام للعديد من المدن والقرى التابعة لغوطة
دمشق بغاز الأعصاب بشكل مكثف، مما أدى إلى استشهاد ( 1507 ) شخصاً وإصابة أكثر من
( 9000 ) أخرين، غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

 

 وكان النظام
المجرم قد استخدم غاز الكلو قبل هذا التاريخ وفي أوقات مختلفة، حسب ما هو موثق لدى
العديد من المراكز والنقاط الطبية للثورة، في ( 15 ) موقعاً
متفرقاً من المناطق الخارجة عن سيطرته في حلب وأدلب ودرعا. 
 
  وقد جاء استخدام
نظام بشار، للسلاح الكيمياوي في غوطة دمشق بهذه الوحشية والهمجية، بسبب فشله في
القضاء على ثورة الحرية والكرامة في سوريا، بعد مرور حوالي
سنتين ونصف من التعامل الأمني معها واتباع سياسة القمع والتنكيل والاعتقال
والتعذيب وارتكاب مجازر القتل الجماعية بحق الشعب السوري الثائر، باستخدام جميع صنوف
الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك سلاح الطيران الحربي، التي كانت تلقي بحممها
وبراميلها المتفجرة بشكل عشوائي على رؤوس المدنيين العزل، وبعد أن أيقن اليقين
الكامل من إن المجتمع الدولي، لن يقدم على معاقبته ومحاسبته على هذه الجريمة
النكراء، التي تعتبر جريمة ضد الإنسانية، وفق أحكام المادة السابعة من النظام
الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، الذي أقر في مؤتمر روما في الخامس عشر من شهر
تموز 1998 التي عرفت الجرائم ضد الإنسانية: ( بأنها تعني ارتكاب أعمال كجزء في
اعتداء شائع أو منظم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين مع إدراك لهذا
الاعتداء )، لضمانه الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن الدولي، ولمعرفته من
خلال الوقائع والأحداث التي جرت بعدم جدية الولايات المتحدة الأمريكية والدول
الأوربية الأخرى. 
 
  وكان أقصى ما
فعله المجتمع الدولي في مواجهة هذه الجريمة النكراء، هو نزع سلاح النظام الكيميائي،
وإعطاءه فيما يبدو وكأنه ” رخصة القتل
” للسوريين المنتفضين من أجل حقوقهم وكرامتهم وحرياتهم الأساسية، بالأسلحة
التقليدية الأخرى التي يستخدمها، بدءاً من السكاكين وانتهاءاً بالمتفجرات التي
يلقيها الطائرات، وكأن هناك فرق عند هذه الدول الديمقراطية! بين انتهاك حق الحياة،
بهذا السلاح القاتل أو ذاك، رغم إن الحق في الحياة يأتي في مقدمة قائمة حقوق
الإنسان التي كفلها القوانين والمواثيق والعهود الدولية، ورتب عقوبات قانونية
قاسية لمن ينتهكها، وأيضاً رغم إيماننا الكامل بخطورة السلاح الكيمياوي، وضرورة
القضاء عليه وتدميره وتخليصه من بين يد هذا النظام المجرم وغيره من الأنظمة
الديكتاتورية والقمعية والاستبدادية في العالم.

 

 وإذا كان معظم
مجرمي العالم الذين ارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية بحق
شعوبهم، قد تم محاسبتهم ونالوا
جزائهم العادل، وإن تأخر هذا الأمر ردحاً من الزمن، ولنا في التاريخ القريب أمثلة
حية على محاسبة مجرمين وطغاة بحق شعوبهم، كـ: سلوبودان ميلوزفيتش وصدام حسين ومعمر
القذافي، فإن ثقتنا كبيرة جداً من إن المجرم بشار الأسد وجميع أركان نظامه الدموي
الاستبدادي، لن يفلتوا أيضاً من المحاسبة والمسألة الجنائية عن استخدامهم للسلاح
الكيمياوي بحق الشعب السوري، وعن انتهاكاتهم الجسيمة وخروقاتهم لقواعد القانون
الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولن يكون مصيرهم أحسن من مصير الطغاة والمجرمين
الذين سبقوهم، وإننا على ثقة بأنه سوف يأتي يوم ينعم فيه السوريون على اختلاف
مكوناتهم القومية والدينية والطائفية والمذهبية، بالحرية ويعيشون بكرامة، ويمارسون
حقوقهم وحرياتهم الأساسية، في ظل دولة الحق والقانون والمؤسسات، دولة كل السوريين.

          

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…