الدكتور محمود عباس والخالق الكوني

بهرام راوندي
 

أتباع من فينة
وأخرى مقالات الدكتور عباس، وخاصة ما تتناول المسائل العقيدية. وجدته يرى في الإله
حاضرا، والقادم منذ ذكر الأنبياء والمرسلين له، أنه إله بشري بمجمله، فهذا الإله
ناقص كالبشر، ولا يعقل أن يكون الإله بهذه الضآلة الإنسانية. ما يتبين من كتاباته
في هذا المجال، أن الكون شاسع، لا نهائي؛ بينما نحن البشر نعيش على كرة صغيرة
الحجم وعددنا محدود، وكذلك قدراتنا، ولم نكتشف بعد وجود كائنات ومخلوقات أخرى في
هذا الكون اللا نهائي.

وفي مقالته
الأخيرة (كَفَرَ مَنْ عَبَدَ اللهَ)، يبدي مفهوما، ربما يكون محقا فيه، هو أننا
ندين بفلسفة آتية من عهود إنسان ما بعد المشاعية، تحديدا عهد الرق، لذا يرى أن كل
الأوصاف للإله مرتبطة بمسألة العبودية والتعبد. يرى دكتورنا أن إلهً كهذا يلتزم
نقطة أو بالأحرى جزءا ضئيلا من الذرة مقابل هذا الفضاء اللا نهائي غير مقبول من
قبل عقل اليوم؛ حيث الإنسان أوجد آلات وأجهزة معقدة للغاية مقارنة مع زمن السيف
والرمح. برأيه إنسان اليوم المدرك، توا، بخلقية الكون من خلال قوانين ودساتير
رياضية وفيزيائية وكيميائية، ومن خلال الطب والبيولوجيا والجيولوجيا والفلك ناهيكم
عن نانو تكنولوجيا وغيرها، واكتشافه للعديد، نسبة، من هذه القوانين، من الصعب عليه
تقزيم الإله لينشغل فقط بهذا الكائن أي الإنسان دون غيره، وفي موقع التحدي إذا ما
عصى هذا المخلوق أوامره التعبدية. فهو محق في جانب من دعواه هذه. عندما نعاين
اكتشافات العلم في المسافات الواقعة ضمن مجال ابتكاراتنا في وسائل البحث العلمي
نقبل أن ما يدعيه الدكتور يصيب الحقيقة في كثيره؛ بالرغم من سبرنا أغوار الفضاء،
بقدر إمكانياتنا، لا نجد ما يشير إلى كائنات أخرى سوى كواكب غير مأهولة لا حياة
فيها، وأيضا كرات مشتعلة ندعوها بالنجوم، ومجرّات؛ وهذه المجرّات والنجوم بين بزوغ
وأفول. قد يقدم لنا العلم في الآتي من الزمن عوالم مأهولة بمخلوقات مثلنا أو
مشابهة لنا أو خلاف ذلك، المهم، من غير المستبعد أن تهدينا الابتكارات القادمة
شيئا من هذا القبيل، بالإضافة إلى معرفة اللبنة الأساسية للموجودات، أحياء كانت أو
جمادا، للتقرب من معرفة طبيعة عمل الخالق لهذه الموجودات، وبمعرفة طبيعة عمله تكون
معرفة الخالق الكوني، الذي يريد دكتورنا الكريم الإفصاح عنه، أكثر دقة مما هي عليه
الآن، وهذا يؤدي بشكل منطقي إلى المغزى الحقيقي لخلقيتنا وليست مسألة الجنة والنار
فحسب. 
 

وبمحاكمة منطقية
لبناء قديم، مكتشف للتو، يتراءى للمعماريين والآثاريين مغزى الغرف والباحات والطوابق، وكذلك وضع الأساس وشكل ونوع لبنات
البناء، في هذه الحالة تتكون رؤية قريبة من واقع هذا البناء لدى هؤلاء المختصين،
وكذلك المغزى منه، أما إذا عاين نفس ذاك البناء أناس غير مختصين لبدت الرؤية لهم
غير دقيقة كما لدى المختصين وقد لا يصيبوا المغزى منه. هذا ما يريد قوله الدكتور
عباس في مقالاته المتناولة جوانب الإله الكوني. 

 
وما يجعل القارئ
الكريم يغيب عن باله مغزى دكتورنا القدير هو: سرده في مناسبات لها صلات مع الخالق، ولكنها ليست بتلك الدرجة. حبذا
لو أن دكتورنا الفاضل خصص أبحاثه في هذا الجانب فقط، وبمعزل عن الجوانب الأخرى
التي يخلط مفهومه عن الخالق في تلك المواضيع ذات مضامين غالبيتها لا تمت إلى
الخالق وشأنه؛ حتى يكون القارئ الكريم على بيّنة مما يريده دكتورنا الفاضل. 
 بهرام راوندي 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…