ابراهيم محمود
ما أن يشعر الكُردي أن نجمه قد سطع، قد يستعيد وعد سيفر، ولكن ما أن يشعر بخيبة أمل، وأن هناك مؤامرة تحاك ضده، حتى يتجرع مرارة تذكر لوزان، فيكون مُر الوعيد هذه المرة .
لا بد أنه الكردي الحيران وهو مشدود، متنازَع عليه، أو باسمه يكون التنازع، ومن صفاته التردد، بقدر ما أنه يكون مشتَّت الذاكرة والتركيز، وهو يجد نفسه بين ” سيفر ” الأمل الكردي الذي كان منتظراً سنة 1920، و” لوزان ” الحلم الكردي المنقلَب كابوساً سنة 1923 .
لا بد أنه الكردي الحيران وهو مشدود، متنازَع عليه، أو باسمه يكون التنازع، ومن صفاته التردد، بقدر ما أنه يكون مشتَّت الذاكرة والتركيز، وهو يجد نفسه بين ” سيفر ” الأمل الكردي الذي كان منتظراً سنة 1920، و” لوزان ” الحلم الكردي المنقلَب كابوساً سنة 1923 .
عنوانان عريضان يلخصان التاريخ الكردي بأكثر من معنى، بل يكاد هذا العنوان يتقاسمان التاريخ الكردي مذ كان الكرد في الغالب، شعوراً بالتضاد بين المعاهدتين، سيفر في التوجه إلى رحابة العالم، ولوزان في الانكفاء النازف على الذات.
وفي الوقت الذي يمكن التجاوب مع تينك المعاهدتين في الدلالة والمغزى، وكثافة الاستخدام لهما وخصوصاً راهناً، إلا أن هذا الانتشار الكثيف لكل منهما، في الخطاب الكردي اليومي، ولدى كل من هب ودب، كأي مثل دارج، ودون الإحاطة بالخلفية التاريخية لهما، وحتى على المستوى السياسي والثقافي الجامعي العالي أحياناً، يتطلب توقفاً ومكاشفة لهذا التبسيط:
إن أسهل ما يمكن قوله، ولدارس التاريخ الحديث في المنطقة، والكردي منه ضمناً ” وليس للكرد تاريخ يحمل بصمتهم بتمايز، لنسمّيه بذاته، وهو لم يتدون في نطاق كيان سياسي معترَف به دولياً “، هو أن الظروف والملابسات التاريخية التي عاشها الكرد، وليس أنهم عاشوها تماماً، في خُمسية القرن العشريني الآفل، ظروف استعمارية للمنطقة كاملة، هي التي مهَّد لما سيَلي، على خلفية من اتفاقية ” سايكس- بيكو 1916 “، فالكرد كانوا مستعمَرين الاستعمار التقليدي، ليصبحوا في نهاية الحرب الكونية الأولى مستعمرين مضاعَفاً: التقليدي في الدول التي سمّيت وهي تحت الاستعمار، والحديث بالنسبة لسيطرة الدول الأوربية التي تقاسمت غنائمها من منظور القوة التي برزت بها.
وإذا كان في مقدور أحدهم أن يعتبر ” سيفر ” الوليد الشرعي والذي انتظَر طويلاً وعمِل من أجله، كما هو تصور المعنيين بالشأن الكردي من الكرد، فإن فعل الإجهاض بدعوى استحالة الاحتفاظ بالجنين السياسي، إن جاز التعبير، كان له توقيته في الزمان والمكان، فإنه في مقدور أحد آخر أن يعتبر ” لوزان ” الوليد الزنيم والذي فرِض على الكرد من جهة أعدائهم.
مثلما أن الكرد كانوا مبعدين من أي محل من الإعراب فعلياً في سيفر، كانوا في حكم الغياب في الحالة الثانية، لأن المفاوضات كانت تتم وكردستان مقرَّر مصيرها، وأن المفاوضات هذه وإن سمّت كرداً، وكردستاناً، إلا أنها في الواقع كانت تهمُّ الذين قيّض لهم أن يتولوا أمر كردستان مقسمة، وأن يكونوا هم أنفسهم ولاة بصورة ما لأولياء عليهم استعمارياً، بقدر ما تكون المفاوضات في لعبة التعاطي السياسي كشفاً عالي المستوى بين تصادم ذهنيتين، عالمين: شرقاً وغرباً، إنما في العمق بين انزواء حضور الكرد الذين تلمسوا في كمال العقد الثاني من القرن العشرين المنصرم استواء أمل آت، حيث سجّلت الأرض” أرضهم ” بأسماء سواهم، والمصير ” مصيرهم ” عُهِد به إلى سواهم بالذات، وتلاشي كل حضور كردي يمكن التذكير به حقوقاً تاريخية تنتظر تحديداً جغرافياً ما لها، بعد ذلك بسنوات ثلاث، وليشهد الكرد إثر ذلك تحولاً نوعياً في مجابهة مستعمريهم ومستعمري مستعمريهم، قليلاً أو كثيراً، وحتى تجلّي مرحلة ما يُسمى بالأنظمة الوطنية، حملت أنظمة المنطقة المتقاسمة لكردستان أسوأ صيغ التعامل مع الكرد، وأدمجتها بأسوأ صور التنكيل السالفة، ونفذتها فيهم.
راهناً، كل إشارة إلى سيفر، بمثابة استدعاء الأمل، وترقبه، واستشعار الفرح، وكل تسمية للوزان اقتران بصدمة غير متوقعة، أما على أرض الواقع، فإن مجرد المس بأي زاوية بمثابة ” اهتزاز الأرض على قرني ثور ” كما هو الشائع في التصور الشعبي لمفهوم الزلزال الأرضي محلياً، لأن ثمة معايير مستجدة في السياسة العالمية، وفي عالم ما بعد العولمة بالذات يصعب التكهن بأبعادها، والأهم من كل ذلك، هو إقرار أي وضع جديد ينظَر فيه على أعلى المستويات، كما لو أن فعل الاستعمارين: القديم والحديث مستمر، وأن الكرد الذين ظلوا إلى هذه اللحظة تحت سماء صماء، وأرض عارية، مدرجون في عِداد لعبة تتجاوز حدود كردستانهم الواحدة الموحدة، وحدود الدول التي تقاسمتها، وخارطة العالم السياسي التي تتجاهلها كثيراً حتى الآن.
إن أسهل ما يمكن قوله، ولدارس التاريخ الحديث في المنطقة، والكردي منه ضمناً ” وليس للكرد تاريخ يحمل بصمتهم بتمايز، لنسمّيه بذاته، وهو لم يتدون في نطاق كيان سياسي معترَف به دولياً “، هو أن الظروف والملابسات التاريخية التي عاشها الكرد، وليس أنهم عاشوها تماماً، في خُمسية القرن العشريني الآفل، ظروف استعمارية للمنطقة كاملة، هي التي مهَّد لما سيَلي، على خلفية من اتفاقية ” سايكس- بيكو 1916 “، فالكرد كانوا مستعمَرين الاستعمار التقليدي، ليصبحوا في نهاية الحرب الكونية الأولى مستعمرين مضاعَفاً: التقليدي في الدول التي سمّيت وهي تحت الاستعمار، والحديث بالنسبة لسيطرة الدول الأوربية التي تقاسمت غنائمها من منظور القوة التي برزت بها.
وإذا كان في مقدور أحدهم أن يعتبر ” سيفر ” الوليد الشرعي والذي انتظَر طويلاً وعمِل من أجله، كما هو تصور المعنيين بالشأن الكردي من الكرد، فإن فعل الإجهاض بدعوى استحالة الاحتفاظ بالجنين السياسي، إن جاز التعبير، كان له توقيته في الزمان والمكان، فإنه في مقدور أحد آخر أن يعتبر ” لوزان ” الوليد الزنيم والذي فرِض على الكرد من جهة أعدائهم.
مثلما أن الكرد كانوا مبعدين من أي محل من الإعراب فعلياً في سيفر، كانوا في حكم الغياب في الحالة الثانية، لأن المفاوضات كانت تتم وكردستان مقرَّر مصيرها، وأن المفاوضات هذه وإن سمّت كرداً، وكردستاناً، إلا أنها في الواقع كانت تهمُّ الذين قيّض لهم أن يتولوا أمر كردستان مقسمة، وأن يكونوا هم أنفسهم ولاة بصورة ما لأولياء عليهم استعمارياً، بقدر ما تكون المفاوضات في لعبة التعاطي السياسي كشفاً عالي المستوى بين تصادم ذهنيتين، عالمين: شرقاً وغرباً، إنما في العمق بين انزواء حضور الكرد الذين تلمسوا في كمال العقد الثاني من القرن العشرين المنصرم استواء أمل آت، حيث سجّلت الأرض” أرضهم ” بأسماء سواهم، والمصير ” مصيرهم ” عُهِد به إلى سواهم بالذات، وتلاشي كل حضور كردي يمكن التذكير به حقوقاً تاريخية تنتظر تحديداً جغرافياً ما لها، بعد ذلك بسنوات ثلاث، وليشهد الكرد إثر ذلك تحولاً نوعياً في مجابهة مستعمريهم ومستعمري مستعمريهم، قليلاً أو كثيراً، وحتى تجلّي مرحلة ما يُسمى بالأنظمة الوطنية، حملت أنظمة المنطقة المتقاسمة لكردستان أسوأ صيغ التعامل مع الكرد، وأدمجتها بأسوأ صور التنكيل السالفة، ونفذتها فيهم.
راهناً، كل إشارة إلى سيفر، بمثابة استدعاء الأمل، وترقبه، واستشعار الفرح، وكل تسمية للوزان اقتران بصدمة غير متوقعة، أما على أرض الواقع، فإن مجرد المس بأي زاوية بمثابة ” اهتزاز الأرض على قرني ثور ” كما هو الشائع في التصور الشعبي لمفهوم الزلزال الأرضي محلياً، لأن ثمة معايير مستجدة في السياسة العالمية، وفي عالم ما بعد العولمة بالذات يصعب التكهن بأبعادها، والأهم من كل ذلك، هو إقرار أي وضع جديد ينظَر فيه على أعلى المستويات، كما لو أن فعل الاستعمارين: القديم والحديث مستمر، وأن الكرد الذين ظلوا إلى هذه اللحظة تحت سماء صماء، وأرض عارية، مدرجون في عِداد لعبة تتجاوز حدود كردستانهم الواحدة الموحدة، وحدود الدول التي تقاسمتها، وخارطة العالم السياسي التي تتجاهلها كثيراً حتى الآن.
وأن يسمّي سياسي أجنبي: أميركي، أو أوريي، أو إقليمي كردستان بكامل عبارتها، لا يعني البتة إن ثمة إمكاناً للنظر فيما كان، والدخول في منعطف تاريخ غير مسبوق، بقدر ما يتطلب ذلك من الكردي الحيران هنا، أن يتحرر من حيرته، وأن يخرج رأسه من التاريخ، ويقارن بين تاريخين لا تطابق بينهما، ليكتشف المفارقات أو أوجه الخلاف تماماً، وحين يجد نفسه في مستوى تحديات العصر، وفي واجهة اهتمامات الآخرين كقوة واعية لذاتها، قوة ناظرة إلى المستقبل، حينها، يمكنه أن يقف على قدميه، ويقدّر ” لغز ” بقاء كردستانه مقسَّمة حتى لحظته، وبقائه هو نفسه مقسَّماً منقسماً على نفسه ضمناً ، فلا بد من إيجاد مخرج آخر، بعد زوال فعل الحيرة تلك!