الحديث عن كل من أسامة بن لادن”
1957-2011 وأبو بكر البغدادي” 1971؟- ” يستدعي التمييز بين قوتين، رغما
أنهما مجيّشان عقيدياً من الداخل وبعنف لا يُخفى، يتطلب تفريقاً بين خاصية كل قوة
ودرجة القرابة بينها وبين العقيدة المترجمة إلى فكر وسلوك عملي .
من القتلى” الضحايا “، لكن قتيل الاثنين ليس واحداً في الأسلوب،
حيث الأول كان يُقتل نتيجة خلاف فكري، عقيدي، قتل بالرصاص في الغالب، أما الآخر
فثمة مجموعة إجراءات تلخص فعل القتل: القبض على الشخص، تعذيبه ببشاعة، تصويره، قطع
الرأس بالسكين، بالحربة أو أي أداة قاطعة، من باب الترهيب .
ما أتمنى أن ينتبه إليه من يعنيه أمر المختلف بين شخصين بينهما رابطة نسَب عقيدية
قوية، لأن الثاني ربيب الثاني، سوى أنه فاقه صلابة، تطرفاً، إرهاباً فائقاً ”
افتقر إليه الأول، أو كان في حكم المؤجَّل ” أو لم يعتمده، لهي مسافة متمثلة
في مستجدات مسلك الأول و” أصحابه “، كأننا إزاء مذاهب المذهب الواحد
” ملله ونحله “، مسافة تعهَد بفهمها أو تبين مواقعها من خلال التاريخ
ومستجداته على المستويات كافة:
على الصعيد الشخصي، ينتمي الأول إلى مجتمع
بداواتي له صلة بما هو سلفي، بيئة وثقافة دينية: سنّية: حنبلية وهابية ” يمني-
سعودي “، إلى جانب ثقافة علمية” اقتصادية هندسية” عربية وغربية
” أما الآخر “أبو بكر البغدادي”، واسمه
الحقيقي – إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري الرضوي الحسيني السامرائي، فينتمي بالمقابل إلى بيئة بدوية، وثقافة دينية سنّية بالمقابل”
دكتوراه في الدراسات الإسلامية “، ويزعم هو وأفراد عائلته إلى أنهم ينتمون
إلى سلالة النبي.
تلقى
الأول تعليمه العقيدي الجهادي الخاص من خلال ” عبدالله عزام ” وتأثر بـ
” محمد قطب ” السلفي تفكيراً في مصر، أما الثاني فكان مرتبطاً في المجال
العقيدي الجهادي بمصعب الزرقاوي الأردني والسنّي بالمقابل، حيث تمثله و”
طوَّر ” في طريقة تصفيات الآخرين .
في
الجانب الاقتصادي، كان الأول ابن مليار دير ومليارديراً بالمقابل، لكن الآخر لم
يكن كذلك، وهذا يسلّط الضوء على مسلك كل منهما، دون نسيان ارتباط الأول في بدء
” جهاده ” بالولايات المتحدة الأميركية أثناء جهاده على الاتحاد
السوفيتي، وتلقي الدعم منها، لينقلب عليها تالياً، ويقتَل على ” يديها
“، بينما الثاني فكان مختلفاً تماماً، حين انخرط في الجهاد العملي التكفيري
ضد الأميركان وكل الذين تعاملوا معهم، ولا أن بد أن زعم الانتساب إلى سلالة النبي
جاء تعويضاً عن وضعه الخاص وليستقطب الآخر، ولخاصية الادعاء هذه مواقعها في العراق
كثيراً، ولدى عائلات مختلفة، جرّاء نفاذ فعل العامل الديني والاختلاف المذهبي:
الشيعي السني ” كما هو الوارد في كتاب حنا بطاطو في هذا المجال
“.
اتخذ
أسامة بن لادن أفغانستان والجوار نقطة انطلاق ” جهادية ” له قبل كل شيء،
وهو يقيم في معاقل جبلية، وعلى أطراف المدن، بقدر
ما كان يعتمد أسلوب العيش البسيط وحتى الهيئة البسيطة، بينما أبو البغدادي فهو
خلافه تماماً: العمل داخل المدينة، والظهور في لباس أنيق ” أسود ” يترجم
النعمة التي أصبح عليها، حيث ساعته التي يلبسها تضيء في يده اليمنى، أي إنه يتحرك
في البلد الذي ولِد فيه، إلى جانب البلد المجاور ميداناً جغرافياً وحدوداً ”
سياسية ” لتنظيم دولته ” داعش ” ، وليكون احتكاكه مع الأميركان
وضدهم وفيما بعد ترجمة عنيفة لسلوكات مكبوتة داخله تعزّز حقده المذهبي والاجتماعي
والنفسي، بقدر ما تظهر نوعية علاقته مع وسطه والذين يتعامل معهم بأسلوب القتل
البشع أو التصفية الإرهابية الطابع، ولا أظن أسلوب النيل الإرهابي من الكرد
الإيزيديين في القتل وسبي نسائهم والاعتداء عليهن وبيعهن، إلا تعبيراً عن هذا
الحقد الدموي، وسابقاً كان الأخوة الأثوريين وخلافهم من الشيعة، وراهناً بعملية
الذبح لكل معتبَر مخالفاً لتعاليمه وأوامره في سوريا: من السنة غير المتجاوبين
معه، وهي مفارقة طبعاً .
أسامة
بن لادن ينتسب إلى بيئة بدوية تمازجت مع المدينة، لا تخفي مرونة أحياناً، وأسلوب
” القتل ” اللطيف في التعامل مع المختلفين عنه أو خصومه، بينما
أبو بكر البغدادي، فهو يؤكد انتماءه إلى العراق المميّز كثيراً بتاريخ العنف
الدموي وبطش الرد، حيث سفك الدماء يضرّج تاريخه في مختلف عهوده، وما أشبه اليوم
بالأمس، إلا في ميزة واحدة، وهي التمادي في العنف وتعميقه بمفهومه الإرهابي لترويع
وسطه وأي وسط يهتم بأمره.
بين
إسلام جهادي سلفي بالنسبة للأول، وإسلامي جهادي تكفيري للثاني يمتد الخيط العقيدي المكهرب والمميت: خيط العقيدة الذي يعدم كل حياة، ويتوعد حتى صانع
الخيط أو ناسجه أو معتمده بنهاية وخيمة، ولا يبقى إلا الإسلام الأكثر جدباً
بمعناه، كنتيجة متحصلة لهذا التصريف العقيدي، ولعل قتيل الاثنين بقدر ما يعنيهما
يكون شاهد عيان على وحدة الاسم ورعب فحواه !