صالح بوزان
هناك حقائق يجب أن لا نغض الطرف عنها بالمجارات أو بشيء من الانتهازية الفكرية التي تسود بين بعض مثقفينا وكتابنا العرب والكرد. يجب أن نقر أن داعش وجبهة النصرة وكل الأصوليات الإسلامية تجسد الإسلام الذي خرج من المجتمع الجاهلي العربي. وهو إسلام الغزوات والسبي والنهب والمجازر وليس إسلام الحوار. من يتكلم أن الإسلام الحقيقي غير داعش فليثبت ذلك في التاريخ الإسلامي وليس بالأقوال. ومن يأخذ من القرآن آيات عن سماحة الإسلام ورحمته وعدله، عليه أن يأخذ القرآن ككل وليس انتقاءات لأغراض سياسية أو فكرية انتهازية. ما قام به داعش في شنكال هو ما قامت به كل الغزوات الإسلامية منذ بداياته ولغاية انهيار الإمبراطورية الإسلامية.
لكي لا يتهمني أحد بالوصفات الجاهزة، أقول كل الديانات، عندما تسيطر على السياسة وتتحكم بها كسلطة، تصبح استبدادية وترتكب أفظع الجرائم. العديد منا يتكلم أحياناً عن الديانة المسيحية بأنها دين الرحمة والسلام. لا..! الأمر ليس كذلك. فكما قال الباحث السوري جاد كريم الجباعي أن الناس المهذبون هم الذين قاموا بتهذيب ديانتهم. هذا تماماً حدث مع المسيحية. ولمن يريد أن يتأكد من صحة كلامه، وصحة كلامي حول المسيحية التي كانت بربرية يوماً ما ليقارن مسيحية اليوم مع مسيحية محاكم التفتيش في أوروبا.
أنشئت محاكم التفتيش( أقتبس) بطلب من الراهب توركمادا، وقامت بأعمالها حق القيام في مدة ثماني عشرة سنة”، فـحكمت على عشرة آلاف ومئتين وعشرين شخصاً بأن يُحرقوا وهم أحياء فأحرقوا، وعلى ستة آلاف وثمانمئة وستين بالشنق بعد التشهير فشُهّروا وشُنقوا”.
في فترة لاحقة، قرر مجمع لاتران أن يلعن كل من ينظر في فلسفة ابن رشد، ودعا “أن يكون من وسائل الاطلاع على أفكار الناس الاعتراف الواجب أداؤه على المذهب الكاثوليكي أمام القسيس في الكنيسة، أي الاعتراف بالذنوب طلباً لغفرانها”. وحكمت هذه المحكمة من يوم نشأتها سنة 1481 إلى سنة 1808 على ثلاثمئة وأربعين ألف نسمة، منهم نحو مئتي ألف أحرقوا بالنار أحياء”(انتهى الاقتباس).*
قامت حركة التنوير الأوروبية التي عمت كل أوروبا، وتبعتها الثورات البرجوازية وعلى رأسها الثورة البرجوازية الفرنسية، التي رسخت مبادئ المساواة بين المواطنين وسيادة الشعب، واحترام الحريات. فصلت هذه الثورات الزواج المطلق بين الدين والدولة، رفعت يد الدين المسيحي عن السياسة نهائياً. وبالتالي تحول هذا الدين من تلك الوحشية إلى دين متسامح ومهذب. الأوروبيون المهذبون هذبوا ديانتهم. وتعتبر الكنائس في أوروبا اليوم من المؤسسات التي تقدم خدماتها لللاجئن السوريين دون النظر إلى دياناتهم ومعتقداته. ولكن هل العرب المهذبون هذبوا إسلامهم؟
من الناحية التاريخية، كل ما حدث في التاريخ باسم الدين يعتبر من خصائص تلك العهود. فقتل الإنسان بوحشية على المعتقد، والإبادات الجماعية، والنهب والسلب واغتصاب النساء، وحتى أكل لحوم البشر، كان كل ذلك جزءاً من التاريخ البشري، من خصائص تلك المجتمعات. لكن أن تستعيد فئة ما هذا التاريخ، وتمارس كل ذلك باسم الكتاب الديني، واعتماداً على أقوال الأنبياء، وأصحابهم الذين حكموا بعدهم، واعتماداً على رجال الفتاوى في العصور القديمة، يعني ذلك بكل بساطة، أن هذه الفئة مختلة عقلياً. لأنها تريد أن تحكم على عصرنا من خلال الماضي. إنها تريد بعث الأموات بدل الرب.
لقد أحدثت مجزرة اليزيديين صدمة كبيرة في كل العقول النيرة. والمسألة لا تكمن في طبيعة هذه الديانة. بل في عقلية من قاموا بهذه المجزرة. هذه العقلية خرجت من بين جيراننا العرب. وقد قلت في مقالة سابقة أن داعش وسمة عار على جبين المثقف العربي، لأنه تقاعس فكرياً للقيام بحركة تنويرية عربية في إسلامه. وبالتالي فهو المسؤول الأول عن هذه الجريمة، وعن الجريمة التي لحقت بالمسيحيين منذ سيطرة داعش على الموصل.
وبما أننا كأكراد نعيش مع العرب بحكم الجغرافيا، وبحكم التاريخ أيضاً، فلنا الحق أن نضع شروطاً على تعايشنا المشترك، وخاصة بما يتعلق في سوريا والعراق. هنا لا أريد التكلم عن الحقوق السياسية والثقافية، رغم أهميتهما القصوى. لأن اغتصاب حق أي شعب مهما كان صغيراً سيكون مصدراً للقلاقل ولعدم الاستقرار وبركاناً موقوتاً لتفجير الصراعات.
علينا نحن الكتاب الكرد، والمثقفون والمفكرون بيننا، إلى جانب كل ساستنا من أبسطهم إلى زعيمهم، وكل أحزابنا مهما كانت صغيرة أو كبيرة، أن نضع شرطاً أساسياً للعيش المشترك في وطن واحد وفي ظل دولة واحدة. شرط لا يجوز أن نتخلى عنه مهما كانت الظروف، وهو فصل الدين عن الدولة بشكل قطعي. يجب أن نتفق أن العلمانية ليست كفراً بل هي الوسيلة الوحيدة لتعايش الأديان والمذاهب، وللقضاء على الصراعات بينها، وعدم تعدي إحداها على الأخرى. كل دين له حق الوجود، وله حق التبشير سلمياً. ومن حق أي مواطن، أن يقرر هو دينه أو مذهبه. وله الحق الكامل، إذا أراد، أن ينتقل من دين إلى آخر أو من مذهب إلى آخر.
بدون ذلك، يجب أن نرفض نحن الكرد العيش المشترك مع جيراننا العرب، وخصوصاً في سوريا والعراق، ونبحث عن مصير آخر لنا.
————-
أنشئت محاكم التفتيش( أقتبس) بطلب من الراهب توركمادا، وقامت بأعمالها حق القيام في مدة ثماني عشرة سنة”، فـحكمت على عشرة آلاف ومئتين وعشرين شخصاً بأن يُحرقوا وهم أحياء فأحرقوا، وعلى ستة آلاف وثمانمئة وستين بالشنق بعد التشهير فشُهّروا وشُنقوا”.
في فترة لاحقة، قرر مجمع لاتران أن يلعن كل من ينظر في فلسفة ابن رشد، ودعا “أن يكون من وسائل الاطلاع على أفكار الناس الاعتراف الواجب أداؤه على المذهب الكاثوليكي أمام القسيس في الكنيسة، أي الاعتراف بالذنوب طلباً لغفرانها”. وحكمت هذه المحكمة من يوم نشأتها سنة 1481 إلى سنة 1808 على ثلاثمئة وأربعين ألف نسمة، منهم نحو مئتي ألف أحرقوا بالنار أحياء”(انتهى الاقتباس).*
قامت حركة التنوير الأوروبية التي عمت كل أوروبا، وتبعتها الثورات البرجوازية وعلى رأسها الثورة البرجوازية الفرنسية، التي رسخت مبادئ المساواة بين المواطنين وسيادة الشعب، واحترام الحريات. فصلت هذه الثورات الزواج المطلق بين الدين والدولة، رفعت يد الدين المسيحي عن السياسة نهائياً. وبالتالي تحول هذا الدين من تلك الوحشية إلى دين متسامح ومهذب. الأوروبيون المهذبون هذبوا ديانتهم. وتعتبر الكنائس في أوروبا اليوم من المؤسسات التي تقدم خدماتها لللاجئن السوريين دون النظر إلى دياناتهم ومعتقداته. ولكن هل العرب المهذبون هذبوا إسلامهم؟
من الناحية التاريخية، كل ما حدث في التاريخ باسم الدين يعتبر من خصائص تلك العهود. فقتل الإنسان بوحشية على المعتقد، والإبادات الجماعية، والنهب والسلب واغتصاب النساء، وحتى أكل لحوم البشر، كان كل ذلك جزءاً من التاريخ البشري، من خصائص تلك المجتمعات. لكن أن تستعيد فئة ما هذا التاريخ، وتمارس كل ذلك باسم الكتاب الديني، واعتماداً على أقوال الأنبياء، وأصحابهم الذين حكموا بعدهم، واعتماداً على رجال الفتاوى في العصور القديمة، يعني ذلك بكل بساطة، أن هذه الفئة مختلة عقلياً. لأنها تريد أن تحكم على عصرنا من خلال الماضي. إنها تريد بعث الأموات بدل الرب.
لقد أحدثت مجزرة اليزيديين صدمة كبيرة في كل العقول النيرة. والمسألة لا تكمن في طبيعة هذه الديانة. بل في عقلية من قاموا بهذه المجزرة. هذه العقلية خرجت من بين جيراننا العرب. وقد قلت في مقالة سابقة أن داعش وسمة عار على جبين المثقف العربي، لأنه تقاعس فكرياً للقيام بحركة تنويرية عربية في إسلامه. وبالتالي فهو المسؤول الأول عن هذه الجريمة، وعن الجريمة التي لحقت بالمسيحيين منذ سيطرة داعش على الموصل.
وبما أننا كأكراد نعيش مع العرب بحكم الجغرافيا، وبحكم التاريخ أيضاً، فلنا الحق أن نضع شروطاً على تعايشنا المشترك، وخاصة بما يتعلق في سوريا والعراق. هنا لا أريد التكلم عن الحقوق السياسية والثقافية، رغم أهميتهما القصوى. لأن اغتصاب حق أي شعب مهما كان صغيراً سيكون مصدراً للقلاقل ولعدم الاستقرار وبركاناً موقوتاً لتفجير الصراعات.
علينا نحن الكتاب الكرد، والمثقفون والمفكرون بيننا، إلى جانب كل ساستنا من أبسطهم إلى زعيمهم، وكل أحزابنا مهما كانت صغيرة أو كبيرة، أن نضع شرطاً أساسياً للعيش المشترك في وطن واحد وفي ظل دولة واحدة. شرط لا يجوز أن نتخلى عنه مهما كانت الظروف، وهو فصل الدين عن الدولة بشكل قطعي. يجب أن نتفق أن العلمانية ليست كفراً بل هي الوسيلة الوحيدة لتعايش الأديان والمذاهب، وللقضاء على الصراعات بينها، وعدم تعدي إحداها على الأخرى. كل دين له حق الوجود، وله حق التبشير سلمياً. ومن حق أي مواطن، أن يقرر هو دينه أو مذهبه. وله الحق الكامل، إذا أراد، أن ينتقل من دين إلى آخر أو من مذهب إلى آخر.
بدون ذلك، يجب أن نرفض نحن الكرد العيش المشترك مع جيراننا العرب، وخصوصاً في سوريا والعراق، ونبحث عن مصير آخر لنا.
————-
* المصدر موقع الأوان الاثنين 21 نيسان (أبريل) 2014 مقالة بعنوان “الحوار المعلّق بين محمد عبده وفرح أنطون” محمود الزيباوي.