هل يمكن لدحر داعش أن يخفف من مأساة الكُردي الإيزيدي ؟

ابراهيم محمود

  لكل مأساة فرادتها، كما هي البصمة، بتاريخها ومكانها، وملابساتها، والألم المرافق أو المعاناة الخاصة، مثلما أن لكل مشمول بالمأساة وجعه الخاص، ومكابدته الخاصة، وطريقة نفاذ خاصة للألم في جسده وروحه، ونوع موته الخاص. ولعل الذي عاشه الكردي الإيزيدي منذ بداية هذا الشهر الآبي لعام 2014، آب المذبحة الجنسية والنوعية والمذهبية والاثنية والجغرافية والتاريخية الخاصة جداً على أيدي الداعشي المتأسلمة، وما زال يعيشه في صنوف القهر والهدر الإنسانيين، ربما يشكل الجريمة ” العصرية ” الكبرى والنادرة في نوعها أو طريقة تنفيذها، في ذاكرة القرن الحادي والعشرين،
 وليتضاعف هذا الألم، أو المعاناة من خلال التحايل على اسمها أو من يكونون ضحاياها، وتحديداً من قبل الإعلام العربي والإسلامي تالياً، سواء في التزام الصمت المطبق أو النسبي، أو التعتيم على جنسية الضحايا، والتهرب من التسمية الفعلية والاكتفاء باعتبارهم ” المدنيين العراقيين “، وهذا بمثابة تجديد لعملية المذبحة المكشوفة أو المتلفزة، كما لو أن أولي الأمر المعنيين لهذا الإعلام يأبون التسمية، بقدر  ما يفصحون عن تأييد ما لها، وفي الآن عينه، يسلسون القياد لمشاعر عامتهم  ومن تتم تربيتهم على مثل هذا التفريق والتشويه والاختزال، إنما أيضاً، على هذا الجينوسايد النوعي والجنسي .

نعم، لعل المذبحة الأقرب إلينا بنسختها الكردية ومن  مرتكبها البعثي العروبي الصدامي الهمجي، تمثلت في ” حلبجه “، لكن علينا أن نمعن النظر في مدى قدرة هؤلاء المتعطشين إلى إزهاق الأرواح خارج نطاقها الطبيعي، ولزوم الربط بين توأمتي الطريقة المتأسلمتين : في سياق ” حملات الأنفال “، وهنا تحت راية ” الله أكبر “. هذا يحفّز كل متحري موضوع الجريمة الإنسانية، وأساليب التمكن من الضحايا، على إمعان النظر في لاتناهي سبل القهر وطرق إرواء الغليل الجماعي لمتعطشين إلى الدماء ومعايشة الشهوات والملذات عبر تعذيب ضحاياهم، وبأسماء دينية وما في ذلك من فتح المعابر المريعة بين أرض مذعورة من ظلال المندفعين بغرائزهم الفظيعة أبعاداً ونتائج، والسماء الصماء المصدومة إزاء عملية التمكن من الضحايا، ولكل ضحية مشهد يسمّيها : تألماً وتفجع روح وتلفظ أنفاس أخيرة .
لا شيء يعوّض عن أي ضحية ، والضحايا الكرد الإيزيديين في ازدياد، والذاكرة التاريخية تنفتح على انجراحات في عالم ما بعد حداثة الغرب، وعولمته، حيث كل شيء مرصود، سوى أن تنفيذ الجريمة شيء، وطريقة إدارتها شيء آخر.
لا يمكن، ولا بأي شكل ، لدحر داعش، أن يخفف من مأساة الكردي الإيزيدي ، مهما كانت طريقة استئصال حقدهم الدينوي والدنيوي والهمجي والذي يلتف حوله كثيرون في المحيط الملحي والإقليمي، وأبعد من ذلك، وخصوصاً لحظة التهرب من تسمية الضحايا بأسمائهم وحقيقة مذهبهم، كأن ثمة شعوراً بالإدانة الداخلية وعذابات الضمير الضاغطة فيما لو أشير، مجرد إشارة إلى ذلك، لأن أي دحر، مهما كانت طريقته، لا تؤاسي من مات وأي مات، ولا تعزي أهل الميت، وهم ربما عايشوا أكثر من مشهد يمثّل فيه الداعشي جريمته من ذبح وتنكيل واغتصاب …الخ .
ربما كان ذلك دافعاً لأن يعاد النظر في مفهوم القانون المدني، وشرعة الأمم، وحقوق الإنسان، والقيام بدراسات شاملة، تتضمن كل ما من شأنه تعرية هذه الممارسات، وبصورة مباشرة، وبعيداً عن الشعاراتية والاستصراخ العاطفي. هذا يتطلب من كل معني بهذا الموضوع ” ومن يكون استثناء ؟” الكردي وغير الكردي، العربي وغير العربي، لمكاشفة صريحة للجريمة التي لما تستمر في سرد حلقاتها البغيضة .

الكردي الإيزيدي، يمثّل الضحية الكبرى بكل الظروف التي تخصها عقب الضحايا الآخرين ومن جنسيات ومذاهب أخرى في العراق وخارج العراق، في سوريا وخارجها، وهذا يحتّم إمعان النظر في كل الجرائم التي يرتكبها الداعشي ومن يكون سلفاً له، وربما من سيكون خلفاً له في تكفيريته التدميرية لمفهوم الإنسانية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…