نعم، لعل المذبحة الأقرب إلينا بنسختها الكردية ومن مرتكبها البعثي العروبي الصدامي الهمجي، تمثلت في ” حلبجه “، لكن علينا أن نمعن النظر في مدى قدرة هؤلاء المتعطشين إلى إزهاق الأرواح خارج نطاقها الطبيعي، ولزوم الربط بين توأمتي الطريقة المتأسلمتين : في سياق ” حملات الأنفال “، وهنا تحت راية ” الله أكبر “. هذا يحفّز كل متحري موضوع الجريمة الإنسانية، وأساليب التمكن من الضحايا، على إمعان النظر في لاتناهي سبل القهر وطرق إرواء الغليل الجماعي لمتعطشين إلى الدماء ومعايشة الشهوات والملذات عبر تعذيب ضحاياهم، وبأسماء دينية وما في ذلك من فتح المعابر المريعة بين أرض مذعورة من ظلال المندفعين بغرائزهم الفظيعة أبعاداً ونتائج، والسماء الصماء المصدومة إزاء عملية التمكن من الضحايا، ولكل ضحية مشهد يسمّيها : تألماً وتفجع روح وتلفظ أنفاس أخيرة .
لا شيء يعوّض عن أي ضحية ، والضحايا الكرد الإيزيديين في ازدياد، والذاكرة التاريخية تنفتح على انجراحات في عالم ما بعد حداثة الغرب، وعولمته، حيث كل شيء مرصود، سوى أن تنفيذ الجريمة شيء، وطريقة إدارتها شيء آخر.
لا يمكن، ولا بأي شكل ، لدحر داعش، أن يخفف من مأساة الكردي الإيزيدي ، مهما كانت طريقة استئصال حقدهم الدينوي والدنيوي والهمجي والذي يلتف حوله كثيرون في المحيط الملحي والإقليمي، وأبعد من ذلك، وخصوصاً لحظة التهرب من تسمية الضحايا بأسمائهم وحقيقة مذهبهم، كأن ثمة شعوراً بالإدانة الداخلية وعذابات الضمير الضاغطة فيما لو أشير، مجرد إشارة إلى ذلك، لأن أي دحر، مهما كانت طريقته، لا تؤاسي من مات وأي مات، ولا تعزي أهل الميت، وهم ربما عايشوا أكثر من مشهد يمثّل فيه الداعشي جريمته من ذبح وتنكيل واغتصاب …الخ .
ربما كان ذلك دافعاً لأن يعاد النظر في مفهوم القانون المدني، وشرعة الأمم، وحقوق الإنسان، والقيام بدراسات شاملة، تتضمن كل ما من شأنه تعرية هذه الممارسات، وبصورة مباشرة، وبعيداً عن الشعاراتية والاستصراخ العاطفي. هذا يتطلب من كل معني بهذا الموضوع ” ومن يكون استثناء ؟” الكردي وغير الكردي، العربي وغير العربي، لمكاشفة صريحة للجريمة التي لما تستمر في سرد حلقاتها البغيضة .