البيشمركَة وسؤال شنكال الأخير

 إبراهيم محمود 

 هو سؤال شينكال الكُردي الأخير: ماالذي جرى في صباح شنكال الباكر ليوم الأحد في 3 آب 2014، حيث الانسحاب المفاجىء للبيشمركة من شنكال قبل أي مكان آخر، ليعيش أخوتنا الإيزيديون الكرد الرعب الداعشي ومن تدعشنوا؟ لا مبرّر البتة إزاء الفظائع المرتَكبة، فظائع طالت الإيزيدي في عِرضه وأرضه وحيوانه ونباته وبيته، والمنسحبون بغتة على علْم تماماً بداعش تفكيراً وسلوكاً وتحديداً إزاء أخوتهم ” الكرد ” الإيزيديين .

 ما كان يُرى من مشاهد مرعبة، على طرقات إقليم كردستان، وباتجاه “روجآفا”، وما كان يُسمع ويُرى من خلال ردود أفعال الأخوة الإيزيديين “أي بالصوت والصورة” وعبر”روداو” بالذات، كما في كلام أحدهم، وبما يشبه الصرخة المدوية والاستنكارية” البيشمركة باعونا “، لا يمكن تجاهله أو التخفيف من وطأته، ولا يجب الاستفزاز بيشمركياً،
 إذ لا بد أن ذلك سيضاف إلى السجل الأحدث في عِداد المذابح المرتكبة ضدهم، أو الفرمانات التي استهدفت تصفيتهم وباسم الدين، حيث الرعب يرتسم في وجوه من يرون كل ما يعنيهم مستباحاً على أيدي داعش والمأخوذين بطبعة داعش ومن يتلمظون لمرأى عنفهم في حق غيرهم من حولهم، لا بد أن هذا الفرمان المتلفز سيقلق كل المعنيين بالبيشمركة، ولزمن طويل جداً: لماذا الانسحاب المفاجئ؟ بالتأكيد هذا ليست شماتة، إنما هو الكشف عن واقع ما كان يخطر على بال أحد، وفي ظل أوضاع، تعيشها المنطقة، وبالنسبة للكرد وفي العراق، وبالنسبة لمن بات على عيّنة من البطش الداعشي، والهمجية الداعشية بلبوسها الديني ” وليس لأن ذلك لا صلة له بالإسلام، كما لو أن عشرات لا بل مئات الجرائم التي نفّذت في الكرد، وفي الإيزيديين ضمناً، وتحت راية الإسلام لا صلة لها بالدين، إذ كان لا بد أن يتوقع حصول أسوأ السلوكات، وأفظع الفظائع، وما عدا ذلك يدخل في خانة من يعلم ويتجاهل ما يعلم، وهذا يعرّي كل حساب، إذا كان هناك من حساب ، لمن يتهرب من مسئولية ما جرى . ليس شماتة مجدداً، إنما هو كشف حساب الجاري، ولزوم معرفة من مهَّد لداعش أن تصول وتجول في شهواتها القمة في الخسة واللاأخلاق، ليس بالضرورة بشكل مباشر، وإنما من خلال قراءة إحداثيات الواقع على الأرض، وكان ذلك خرقاً لهيبة البيشمركة ومن وراء البيشمركة، في تاريخ لا يمكنه أن يطوي صفحته إلا إذا تنكر البيشمركي أن ليس من صلة بينه وبين الإيزيدي، وهذا مستحيل، ليبقى ما حدث غير قابل للمساءلة في أمره إلا باعتباره خطأ تاريخياً لا يغتَفر .

 بالنسبة للمعنيين بشئون إقليم كردستان، حدث ما يشبه الزلزال شمل جهاته كافة، باعتباره صدمة غير متوقعة، إذ إن الذين سلّموا الموصل لداعش، أو أدخلوا داعش الجرائم الأحدث في التاريخ، تداخلوا مع الذين سلّموا رقاب أخوتهم الإيزيديين لحراب داعش، ورصاص داعش، إنما الأكثر هولاً: للشهوات الهمجية لداعش ومن وراء داعش، أقول ذلك ليس من باب البحث عن المتشابه والمختلف، وإنما عن تشابهات، مهما تجلت طريقة تسلسلها أو حدوثها.
لا يجب أن يفهَم مما تقدم أنه كان هناك مخطط لمثل هذا الإجراء، إن هذا لتفكير سخيف منتهى السخف، وإنما ما يترتب على النتيجة، وتحديداً مقارنة بكل ما كان يروَّج عن أن الإقليم ومن خلال جيشه وأسايشه على أهبة الاستعداد لمواجهة أي خطر يتهدد الإقليم. وما جرى، أكان خارج حساباته ؟ وإذا كان من تكتيك، كما تردد ويتردد هنا وهناك، هل يسمح نوع الجرائم المرتكبة وهذا الجرح الإيزيدي التاريخي الفظيع والمريع، بأي إمكان لتسمية ما جرى تكتيكاً ؟ هل التكتيك هذا يقبَل إذا كان يثير سخرية ملايين المدعشنين في الجوار والأبعد منه، باعتبار ذلك هزيمة ساحقة للبيشمركة التي كانت تهز شباك طغاة بغداد لعقود وعقود، سوى أن ما جرى في الصباح الباكر من الأحد 3 آب، هزت شباك البيشمركة وعلى أرضها وبين جمهورها، وأن لا بد من الاعتراف بهذه الهزيمة المخزية ونتائجها، بأخطائها القاتلة، وتجرع مرارتها لمواجهة “العدو” في الداخل قبل كل شيء ، دون ذلك سيزداد “العدو” في الخارج قرباً، بحيث لا يعود في الإمكان حتى الفرار حينذاك . 

دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…