في هذه الأوضاع التي تتصف بالصراعات المتأججة في الشمال السوري، وبعد العديد من نداءات حزب الاتحاد الديموقراطي للأحزاب والتنظيمات الكوردستانية لمساعدته في التصدي لإرهاب (داعش) وهجماته المتتالية على منطقة كوباني بشكل خاص، بعد رفض طويلٍ لأي “تدخل من أي طرفٍ كوردستاني في شؤون غرب كوردستان”، وبعد دعوات حزب العمال الكوردستاني المتكررة لضرورة مؤازرة تنظيمه السوري هذا، لابد وأن آلاف الكورد السوريين المتواجدين لديه كمقاتلين في شمال كوردستان وشرقها وجنوبها، ويأتمرون بأوامر القيادة في جبل قنديل، ومنهم نسبة هامة من شباب منطقة كوباني المعرضة للهجمات الدموية لداعش، أن يسألوا أنفسهم عما إذا كان من الأولى الجلوس بلا قتالٍ في جبال كوردستان حتى يفرج الله عن زعيمهم المعتقل في تركيا، السيد عبد الله أوجلان، أم العودة إلى موطنهم في كوباني وسواها للدفاع عن عوائلهم وأقربائهم وعشائرهم وشعبهم. وهذا التساؤل ربما يكون أحد أهم الضغوط التي تتم ممارستها على قيادة حزب العمال الكوردستاني من داخل تنظيماته المقاتلة، ولابد أن يرضخ لطلبات هؤلاء الشباب الذين هم مستعدون للموت في سبيل شعبهم، ولذا باعتقادي أن حزب العمال لا يستطيع مناداة الشعب الكوردي وأحزاب الكورد بدعم مقاومة أنصاره ضد داعش في سوريا دون المساهمة بنفسه في هذا الدعم.
وهنا فإنه سيلجأ إلى إرسال مقاتلين من شمال كوردستان وشرقها وجنوبها إلى كوباني وسواها، ولكن العقبة أمامه هي قوات الحكومة التركية التي بحشودها الضخمة من العساكر ومختلف أنواع الأسلحة والآليات تملأ المناطق الحدودية الواقعة بين معاقله الجبلية والمنطقة الكوردية في الشمال السوري. وهناك طريق واحد لا يوجد غيره، ألا وهو طريق مطارات جنوب كوردستان أو إيران للوصول منها إلى مدينة القامشلي في الجزيرة السورية. ولكن استخدام هذا الطريق الجوي سيزيد من شكوك السوريين عموماً والكورد خصوصاً في أن هناك علاقة متينة بين حزب العمال الكوردستاني وإيران ونظام الأسد السوري الذي لا يزال مسيطراً على مطار القامشلي. ولذا لابد من اقناع تركيا بوسيطٍ ما أو بدون وسيط بأن الشباب الملتحقين من الجبال ب”ثورة الأمة الديموقراطية!” في غرب كوردستان، لا يضمرون شراً إزاءها، وأنهم سيمرون عبر “الأراضي التركية” كمواطنين أتراك مسالمين بدون أسلحة أو عتاد، وبطريقة مشروعة سيدخلون سوريا عبر البوابات الحدودية، وما على الجندرمة التركية إلا تقديم أوراق اللعب لعناصرها كي يلعبوا بها ويغضوا الطرف عن “أعداء الماضي” لدى مرورهم بها وعبورهم الحدود.
ولكن المشكلة هنا تكمن في أن تركيا لها أهداف بعيدة بصدد حزب العمال الكوردستاني، منها:
-احتواء الحزب وتدجينه بالتمام، بعد الحصول على تأييد ودعم زعيمه المعتقل.
– الاستفادة من أصوات النواب الكورد الموالين له في البرلمان التركي لإيصال السيد رجب طيب أردوغان إلى رئاسة الجمهورية التركية.
-إضعاف النفوذ الإيراني ضمن حزب العمال الكوردستاني.
– منع مطالبة كورد سوريا بأكثر مما يطالب به تنظيم الحزب في سوريا، أي لا حكم ذاتي ولا فيدرالية، وإنما مجرّد “إدارة ذاتية مؤقتة” دون منحها أي صفة كوردية أو صيغة قومية، لا بأس أن يترأسها شيخ عشيرة عربي، من الذين كانوا يوالون الحكم المركزي على الدوام، أو أحد رجال “عرب الغمر” الذين استوطنهم حافظ الأسد في الجزيرة بعد الاستيلاء على الأرض من أصحابها الكورد، أو أحد أبناء الأقليات التي تعيش بين ظهراني الكورد، من بعض الذين لا يعترفون أصلاً بوجود منطقة في العالم اسمها “كوردستان”.
– إخلاء شمال كوردستان من قوات “الكريلا” بصورٍ مختلفة، وعلى مراحل، وبالأخص من جبل قنديل الذي عصي عليها بكل ما لديها من أسلحة وجيوش محاربة منذ عقدين من الزمن أو أكثر.
ولكن أخطر الأمور هو أن تركيا تقلّد في سياستها الحالية تجاه حزب العمال الكوردستاني خطة “عش الدبور” المشتركة بين استخبارات الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، وهي الخطة التي ترمي إلى جمع وحشد سائر المنظمات الإسلامية المتطرفة، ومنها داعش التي تعتبر أخطر من القاعدة، في منطقة واحدة تكون جاذبة لأمثالها ولكل الشباب الإسلامي المتطرف في العالم، وفي هذه الظروف سوريا والعراق هما أسهل نيلاً وأشد ملاءمةً لتحقيق وتنفيذ الخطة، وذلك بهدف حصار هذه المنظمات وضربها بعضها ببعض وتصفية قادتها الخطيرين وتفتيت قواها، بل وإبادتها جميعاً، من خلال تسليط طائراتها (بدون) طيار، واتباع نهج الاغتيالات، واللجوء إلى القتال الشامل ضدها إن اقتضت الحاجة.
وتركيا تعلم جيداً أنها قادرة على إلحاق خسائر أعظم بحزب العمال الكوردستاني بإخراج قواته من معاقله الجبلية، ولذا فإنها ستجد نفسها مضطرة إلى عدم التعرّض لمقاتلي (الكريلا) أثناء التحاقهم برفاقهم في منطقة كوباني وسواها في الشمال السوري، طالما هذا الانتقال يتم تحت أنظارها ويسهّل عليها الاستمرار في خطة إنهاء وجود هذه القوات التي حاربتها ردحاً من الزمن دون أن تقدر على امحائها.