هل مؤتمر باريس الثاني بريق أمل لشعبنا في غرب كوردستان؟

 جان كورد

بداية أؤكّد على أنني لست من أعداء المؤتمرات، وانما أجدها قاطرات للحركة السياسية، وبخاصة بالنسبة لحركة شعب كشعبنا الكوردي المسحوق اقتصادياً وسياسياً وثقافياً في ظل نظام لايقبل إلاّ أن تكون تابعاً له أو أن تنتقل إلى خندق المواجهة السياسية معه، ولربما العسكرية أحياناً، كما فعل غير الكورد فيما مضى..

.إنني أؤيّد عقد المؤتمرات لأنها تفتح مجالاً للحوار والسجال، وأحبذ المشاركة فيها لسماع آراء الآخرين ولابداء رأيي، وفي بعض الأحيان تنجم عنها بيانات تعلن الاتفاق على نقاط معينة، كانت مثار خلافات حادة فيما بين الأطراف التي كانت تتناحر قبل عقد تلك المؤتمرات… ولم أعتذر شخصياً عن تلبية الدعوة الموجهة لي إلاّ بسبب أن الدعوة وصلتني قبل يومين من عقد مؤتمر باريس وبسبب آخر يتعلق بالتنظيم الذي أنتمي إليه، والذي أظهر موقفه من عقد المؤتمر في كلمة “بالكوردية” أرسلت إلى لجنة اعداد المؤتمر، ولكنها لم تقرأ – كما يبدو – لأسباب أجهلها حقاً.

لذا أرجو أن يكون هذا واضحاً منذ البداية…
مؤتمر باريس الثاني خطوة في الاتجاه الصحيح، وبخاصة فإنه قد مزّق ستائر بعض المحرمات التي كانت تتفادها بعض أطراف حركتنا الوطنية في كوردستان سوريا، وبخاصة مسألة ذكر “كوردستان سوريا” في مثل هذه المناسبات، وهذا ما أراه تطوّراً نوعياً في تحديد سمات القضية الكوردية وثوابتها الأساسية التي يجب أن تكون واضحة ومرئية ودقيقة في خطابنا السياسي المعاصر، للقريب والبعيد، للصديق والعدو… إضافة إلى حشد العديد من ممثلي التنظيمات المختلفة سياسياً وفكرياً وشخصياً تحت سقف برلمان إحدى أكبر الدول الأوربية وأشدها اهتماماً بالشرق الأوسط والتحدث هناك بجرأة عن دور “العامل الخارجي” في تحريك قضيتنا القومية في سوريا… هاتان نقاطتان يجدر بنا اعتبارهما إيجابية لأنهما هامتان حقاً… وقد يبدو عجيباً أن الأطراف المشاركة (هناك من لم يحضر مثل حزب الاتحاد الشعبي الكوردي، وحركة الوفاق الديموقراطي وبارتي ديموقراطي كوردستاني سوريا….) قد وافقت كلّها على اصدار تصريح خاص بموضوع المطالبة بالافراج عن السيد عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكوردستاني المعتقل في تركيا، وهذا ما يشجّع على القول بأن خصومات الماضي باتت تضمحل رويداً رويداً، وأن أفقاً جديداً يظهر في هذه المرحلة الحاضرة التي تمرّ بها الحركة الوطنية الكوردية، ويمكن حلّ العديد من المسائل العالقة مستقبلاً عن طريق الحوار والمؤتمرات واللقاءات التي يقبل فيها كل طرف الآخر، دون تحفظ أو اتهامات…
كإنسان كوردي يعيش في المهجر منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمن، أطمح إلى ذلك اليوم الذي تتحقق فيه مطالب هذه المؤتمرات على أرض الواقع السوري، وأعود إلى موطني الذي لم أغادره إلاّ لأسباب قاهرة تتعلّق بحياتي السياسية… ولكن كأحد الذين مارسوا العمل السياسي الكوردي ويعلم – إلى حد ما-  ما عليه حركتنا الوطنية الكوردية من مناهج وتراكيب قيادية وقوة ميدانية وخلفيات اجتماعية، أجدني مضطراً للتمهّل في إطلاق العبارات التي يتصبب منها الأمل، مثلما فعل بعضهم مؤخراً، فالواقع العياني الذي عليه حركتنا في الداخل لايبعث على كثير من الأمل، وبخاصة فإن البيان الختامي الصادر عن هذا المؤتمر الباريسي الهام لايعكس سياسات العديد من الأحزاب الموقّعة على هذا البيان… وهذا يعني أن الذين أصدروه قد تجاهلوا حقيقة أن الأحزاب التي نشروا باسمائها هذه الوثيقة قد تجاوزت بموافقتها على اصدار هذا البيان الخطوط العريضة لمؤتمراتها أو أنهم تمرّدوا على سياسة القيادات أو أن هذه القيادات التي كانت تعارض كل تطوّر واضح وكل خطوة في هذا الاتجاه الصحيح بأنها مؤامرة على سياستها الحكيمة أو نزعة طفولية متهوّرة ستقود بالحركة إلى التهلكة، ومغامرة غير مدروسة وغير منتجة…!!!  قد اكتشفت بين ليلة وضحاها أنها كانت على خطأ في نظرتها للعالم… وهذا لايطابق واقع الحال الذي نحن عليه … ولا حاجة لذكر أسماء هذه القيادات التي بات المواطن الكوردي يعرفها كما يعرف أولاده…
من ناحية أخرى: الحكومة الفرنسية التي أفسحت المجال لهؤلاء المؤتمرين أن يستخدموا برلمان بلادها في عمل معارض للنظام السوري، تسعى لأن تلعب دوراً أساسياً في شرق بحر الأبيض المتوسّط، كالدور الذي تلعبه في شمال أفريقيا، وتزاحم الأمريكان على مراكز القوى ونقاط الارتكاز، وبخاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، واسقاط نظام صدام حسين، ومن قبل استضافت أحد أبرز رجالات سوريا السياسيين، نائب رئيس الجمهورية الأستاذ عبد الحليم خدام، الذي يستخدم الأراضي الفرنسية الآن كقطب من أقطاب جبهة الخلاص الوطني للعمل منها ضد النظام الذي انشق عنه…
بعضهم يرى هذا بمثابة توزيع للأدوار بين الولايات المتحدة الأمريكية والأوربيين، ولكن في الحقيقة هذا صراع بين القارتين الكبيرتين والقوتين العالميتين على الشرق الأوسط… والنظام السوري يخاف من فرنسا أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية بسبب أنه يمكن اقناع الأمريكان بتخفيف الضغط عليه عن طريق اسرائيل وما يقدّمه لها من تنازلات وعن طريق المشاركة في حرب الأمريكان على الإرهاب، أما فرنسا فلا يمكن لسوريا ارضاءها لأنها تقف موقفاً صلباً وقاسياً فيما يتعلق بلبنان وموضوع “المحكمة الدولية”، كما يخاف النظام السوري من أن تساهم فرنسا في تقريب وجهات النظر بين الحركة السياسية الكوردية التي لا تزال مترددة في أمر العلاقة مع “جبهة الخلاص الوطني” وبين السيد عبد الحليم خدام، وهذا خط أحمر لايجوز للحركة السياسية الكوردية ومن مثلها في الداخل السوري، لن يسمح النظام اختراقه لأحد تحت طائلة العقوبة القاسية… ومعلوم أن بعض المنتخبين كأعضاء للجنة “اعداد دستور المرجعية” قد زاروا السيد خدام فور انتهاء أعمال المؤتمر… والفرنسيون الذين كانوا يحتلون سوريا قبل قرن من الزمان يعلمون عن هذه البلاد ونقاط ضعف نظامها أكثر من “رعاة البقر!” الذين لم يتمكنوا من إيجاد أمريكي يفهم العراقيين بشكل أفضل من بول بريمر، فأضطروا إلى الاستعانة بسفيرهم الأفغاني (خليل زاده)، ولم يتمكن من مساعدتهم بشكل حاسم حتى الآن… ونحن نعلم بأن هناك بعض السياسات الكوردية القائمة أصلاً على أساس “عدم ازعاج النظام” أو “عدم تقديم المساعدة لأعدائه ولو بشق تمرة”… فكيف سيتم تحقيق بعض النقاط الصريحة التي في البيان الختامي لهذا المؤتمر، وبخاصة تلك النقطة التي تعوّل إلى حد ما على “العامل الخارجي” الذي كانت ترفضه هذه الأطراف جملة وتفصيلاً قبل الآن؟
هناك أحزاب كوردية كانت قد وقعّت من قبل على عريضة “إعلان دمشق” ذات المعالم الواضحة، سواء من ناحية تقزيم القضية الكوردية في سوريا أو من ناحية رفض استخدام سلاح “العامل الخارجي” و “تدويل الصراع مع النظام”، والبيان الصادرعن مؤتمر باريس تخطّى دون وجل ما اتفق عليه في دمشق، وأكّد على أهمية “العامل الخارجي” في تدويل القضية الكوردية السورية، كما يمكن لنا قراءته بوضوح ، وهذا ما سيخلق شرخاً كبيراً في جدار الإعلان الدمشقي الشهير الذي وصفه السياسي العريق، رياض الترك، بأوصاف لانحب تكرارها هنا الآن حتى لا نجرح شعور بعض المتمسكين به من زعمائنا الكورد تمسك الزاهد برداء شيخه…
بناء على ما أوردناه هنا نرى أن بريق الأمل الذي انبعث عن هذا المؤتمر سيخبت بسرعة خاطفة، عندما توضع الوثيقة الختامية أمام قادة بعض الأحزاب الموقعة على هذه الوثيقة المتطوّرة نوعاً عن سائر وثائق التحالفات الكوردية السورية السابقة، أوعندما يتلقاها مسؤولو الأمن القومي من البعثيين وخدّام النظام في سوريا، ويبدأون بالاتصال بالمقربين منهم في القيادات الكوردية
وقد لفت نظري التركيز الشديد على ضرورة اقامة مرجعية سياسية كوردية خارج البلاد، ذات دستور ولجنة تحضيرية، ومؤتمر لاحق، يتم استثناء ” المتمرّدين!” منها طبعا، وذلك لاحكام السيطرة على الشارع الكوردي في المهاجر، بحيث توضع كل النشاطات المعارضية تحت المجهر وفي قبضة هذه المرجعية التي تبيّن للناس حدود الحلال والحرام من هذه النشاطات وتصب جام غضبها وحقدها على “الذين يسيئون إلى الوحدة الوطنية” و”وحدة الكلمة الكوردية والصف الكوردي!”، وكأن الديموقراطية الكوردية تفرض دكتاتورية في الرأي والنشاط السياسي وأسلوب المشاغبات، وما على القطيع سوى السير وفق اشارات المرور التي يضعها الرقيب الحزبي، الذي تأتيه الأوامر من الداخل السوري… مثل هذه المرجعية ما كانت لتحتاج إلى مؤتمر باريس الثاني ومن قبله مؤتمر بروكسل الأخير، وكان بالامكان تحقيقها بمجرد عقد اجتماع لمسؤولي منظمات الأحزاب الكوردية وانتخاب هيئة “مرجعية” ذات صلاحيات واسعة للعمل المشترك، على غرار “اللجنة العليا للتحالف الديموقراطي الكوردي – أوروبا” أو “الهيئة الادارية لتحالف أحزاب كوردستان في ألمانيا – هفكاري” الذي قام بعمل سياسي مشترك رائع منذ عام 1988 دون حاجة إلى مؤتمر أو دستور واسع وذي تفاصيل… وضم باستمرار ممثلين من معظم الأحزاب الكوردية والكوردستانية ما عدا حزب العمال الكوردستاني الذي لم يشارك فيها، وكانت لمعظم الأحزاب الكوردية السورية مشاركات في “هفكاري” ذي السمعة الممتازة…
النقطة الأخيرة التي يجدر أن لا تغيب عن بالنا هنا هي التالي:
في الوقت الذي كان دور المثقفين والوطنيين في المؤتمر التأسيسي للمجلس الوطني الكوردستاني – سوريا المنعقد في العام الماضي كبيراً، نجد أن الأحزاب الكوردية قد توصلّت إلى اتفاقها الباريسي في يومين سابقين لمؤتمرها المعلن ثم دعت بعض الوطنيين لسماعها وهي تنطق بحكمها التاريخي دون الاستفادة الجادة والواسعة من آراء هؤلاء المثقفين والناشطين غير الملتزمين، وقد سمعت من بعضهم استنكاره لدور المستمع الذي وضع فيه أو في دور الشاهد، ولا شيء غير ذلك… طبعاً هناك مآخذ على كلتا الحالتين، فعلينا أن نبتعد في كل نضالاتنا عن “الافراط والتفريط” فلا ننكر دور الأحزاب ولا نهمل دور المستقلين من الناشطين الديموقراطيين والمثقفين الذين هم في الحقيقة أكثر خبرة في مجال العلاقات الدولية من كثير من قادة حركتنا السياسية…كذلك لايمكن تجاهل دور بعض الجمعيات والمنظمات غير الملتزمة بحزب من الأحزاب وتقوم بدور جيد على مستوى العالم الخارجي في خدمة القضية الكوردية والحركة السياسية لشعبنا…
إن تجاهل دور المثقفين والمنظمات الديموقراطية من قبل الأحزاب سيعود بنتائج سلبية على هذه القوى التي ربما تعتقد أنها في غنى عن المستقلين غير الخاضعين لأوامرها الحزبية…
وحقيقة يمكن إصلاح الأخطاء التي وقع فيها الداعون لمؤتمر باريس والذين شاركوا فيه، سواء على مستوى اقصائهم لبعض الأطر السياسية دون غيرها، أو على مستوى اهمالهم لدور المثقفين المستقلين والمنظمات الديموقراطية غير التابعة لهم، أو على مستوى المضامين السياسية الواردة في البيان الختامي والتي تتعارض تماماً مع برامج ومناهج بعض الفصائل الكوردية وتتناقض مع مواقفها من “إعلان دمشق”… ولكن الخطأ الكبير الذي لن يتمكّن أحد من إصلاحه هو : العمل من أجل أن تصبح “المرجعية المرتقبة” صمّام أمان في خدمة سياسات معينة تخدم النظام أكثر مما تخدم الشعب الكوردي خاصة والشعب السوري عامة، وأن يحاول بعضهم جعل هذه “المرجعية” تركيباً معصوماً من الخطأ يتحتم على الجميع حني الرقاب له وعدم القيام بأي نشاط خارج عن ارادتها قد يضر بفلسفة “الحوار!” بين بعض قيادات الحركة ورؤوس النظام البعثي الدكتاتوري العامل على خنق كل صوت حر يعارضهم…
إن الشعب الكوردي واع ويعلم كل ألاعيب النظام في الداخل والخارج ولن يسمح لأحد كبح جماح نشاطاته الديموقراطية بذريعة ” الوحدة الوطنية السورية” أو “وحدة الصف الكوردي”….هذا ما يجب أن لايغيب عن البال أبداً…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…