على أعتاب مئوية اتفاقية سايكس – بيكو

 صلاح بدرالدين

هذه الاتفاقية وخلافا للتعريف الشائع لها لم تؤسس دولا مستقلة جديدة بل رسمت مناطق النفوذعلى شعوب المنطقة من عرب وكرد خصوصا وكذلك المقاطعات ذات الحدود الواهية غير المرسومة الخاضعة للإمبراطورية العثمانية مثل (سوريا – لبنان – العراق – الآردن – فلسطين) إضافة الى دول أخرى وكما جاء في – ويكيبيديا الموسوعة الحرة – : (اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، كانت تفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى. حيث خضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا، وشمالي أفريقيا.[5] وصل عدد الولايات العثمانية إلى 29 ولاية،) .
    لاحقاً، ظهرت قرارات واتفاقيات جديدة بين الدول السائدة القوية اما لتؤكد عليها أو تطورها أو تعدلها كما حصل في كل من :  مؤتمر سان ريمو عام 1920. بعدها، أقر مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية في 24 حزيران 1922 واستكمالاً لمخطط تقسيم وإضعاف سوريةأو بلاد الشام ، عقدت في 1923 اتفاقية جديدة عرفت باسم معاهدة لوزان لتعديل الحدود التي أقرت في معاهدة سيفر. تم بموجب معاهدة لوزان التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية إضافة إلى بعض المناطق التي كانت قد أعطيت لليونان في المعاهدة السابقة وتم التراجع عن الاعتراف باالحقوق الكردية .

     كنتيجة لتوزيع مناطق النفوذ وتكريسها ظهرت الدول الموزعة بين كل من الاحتلال الإنكليزي والانتداب الفرنسي منقوصة السيادة وبحدود جديدة بحسب مصالح الدولتين الاستعماريتين  لاتستند الى أية أسس تاريخية (العراق، استقل عام , 1932سوريا استقلت فعلياً عام 1946لبنان، استقل ككيان مستقل عام 1943.الأقاليم السورية الشمالية ضمت لتركيا الأردن استقل ككيان مستقل عام 1946 (كانت منطقة حكم ذاتي منذ 1922) وأقيمت إسرائيل على أجزاء كبيرة من فلسطين عام 1948 .
     أما الشعب الكردي الذي لم يكن يتمتع بأي كيان مستقل موحد والمقسم بين الامبراطوريتين العثمانية والصفوية منذ معركة جالديران في القرن الخامس عشر فقد توزع قسمه (العثماني) من جديد بموجب الاتفاقيات والمعاهدات الأخيرة بين كل من تركيا والعراق وسوريا .
       ليس كل الشعب الكردي معني مباشرة باالحدود الرسمية الدولية لاتفاقية سايكس – بيكو ومابعدها التي تكرست في عصبة الأمم ومن ثم هيئة الأمم المتحدة بل فقط كرد تركيا والعراق وسوريا واذا كان المقصود بتجاوز الاتفاقية فهي ملغية من جهة أصحاب النفوذ حينها من فرنسيين وبريطانيين أما اذا كان المقصود الغاء الدول والكيانات المستقلة القائمة فأمر من باب المستحيل الا اذا قررت شعوبها ذلك وهذا لن يحصل فقط هناك شعبان معنييان مباشرة بالاتفاقية من حقهما المطالبة بإزالة الغبن التاريخي اللاحق بهما وتحقيق طموحهما المشروع في تقرير المصير وهما الكرد والفلسطينييون .
    اتفاقية ساكس – بيكو لم تبرم خصيصا لتقسيم كردستان التاريخية بكامل مناطقها بل شملت الكرد – العثمانيين – في اطار المشروع الذي استهدف الشعوب والكيانات الأخرى ولم يتم التعامل مع الكرد الموزعين بأسلوب واحد وصيغة موحدة وسياسة مشتركة وكان التجاهل سيد الموقف من جانب الأقوياء والسبيل الكردي الوحيد لتجاوز أضرارها وإعادة النظر فيها وبعد قرن من ابرامها ومانتج من اندماج وتفاعل مع الشعوب الأخرى هو التعامل مع الواقع كماهو أي مواصلة كفاحهم المشروع كشعب يستحق تقرير مصيره من حيث المبدأ في مجرى االنضال الوطني العام في كل بلد من البلدان التي يتوزع فيها الكرد ووطنهم المجزأ حيث الظروف الموضوعية للحركة القومية الكردية وموازين القوى المحلية والإقليمية والدولية ليست مهيأة لتقبل وتمرير خيارات أخرى مثل حل قومي موحد لقضايا الكرد في البلدان الأربعة أو إقامة دولة كردستان التاريخية المستقلة .
    تم تنفيذ الاتفاقية حول توزيع مناطق النفوذ ومن بعده قيام دول مستقلة بقرارالأقطاب المستعمرين الكبار في بداية القرن العشرين وتبنتها عصبة الأمم ومن بعدها هيئة الأمم المتحدة فهل سيتم الغاء نتائجها في بداية القرن الواحد والعشرين من جانب المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة بالذات ؟ هناك سوابق قليلة تحصل في اطار تعديل الحدود الدولية وإعادة النظر بما نتج عن الحربين العالميتين بأوروبا بعد انهيار نظم الدول الاشتراكية وكذلك في بعض البلدان الافريقية وهناك محاولات أخرى جارية وكل ماتم لم يكن نتيجة مبادرات دولية بقدر ماكانت نابعة من إرادة شعوبها وتعامل معها المجتمع الدولي بعد نشوب الصراعات العرقية واهراق الدماء والمزيد من الدمار الى درجة تهديد مصالح الجميع .  
    كانت الدولتان الأوروبيتان الفرنسية والبريطانية تتحكمان حينذاك بمصير منطقة الشرق الأوسط وهما من وقعتا على الاتفاقية التي ارتبطت باسمي وزيري خارجيتهما أما الآن فالأمر يختلف حيث لكل من تركيا وايران دور ونفوذ في المفاصل الأساسية لمنطقة سايكس – بيكو ومن مصلحتهما الإبقاء على القديم  إضافة الى الولايات المتحدة وروسيا المتمسكتان بمبدأ صيانة الحدود القائمة أما القوى غير الرسمية والمنظمات الإرهابية والجماعات المسلحة الأصولية فتلعب دورا في مصير المنطقة لايمكن القفز فوقه فلو قدر لهذه القوى والأطراف المتناقضة أن تختار سايكس – بيكو جديدة كيف سيكون لونها ومضمونها ومرتكزاتها وماذا عن مصير الكرد والفلسطينيين على ضوئها  .
      الثورة السورية كأحد روافد ثورات الربيع التي تشكل المشروع البديل عن أنظمة القمع والاستبداد ليس في برامجها جميعها إعادة النظر بالحدود المرسومة هي تدعو الى الحرية والكرامة والمساواة وتحقيق التغيير الديموقراطي والتركيز على الحلول الداخلية لكل القضايا بمافيها مسألة القوميات المغلوبة على أمرها وخاصة القضية الكردية حتى إسرائيل التي زايدت على كرد العراق وحضتهم على الانفصال ليس من مصلحتها إعادة النظر في اتفاقية سايكس – بيكو التي هيأت لها قيام دولتها على حساب حقوق الفلسطينيين .
      منذ انتهاء الحرب الباردة ونشوب حرب تحرير الكويت هناك ايحاءات خجولة دولية وأمريكية على وجه الخصوص باقامة شرق أوسط جديد على أنقاض نتائج الحربين ومخلفاتها التي مضى عليها الزمن وافرازات الحرب الباردة بين الشرق والغرب التي طويت صفحتها أيضا منذ بداية تسعينات القرن الماضي ولكن حتى اللحظة لم تكشف عن معالمها وطبيعتها وشكلها ولاعن كيفية حل قضايا شعوبها وخاصة القضية الكردية .
   ليس كل من يريد العبث بالحدود القائمة يعني أنه يهدف الى إعادة الحق الى أصحابه أو يصحح الخطأ التاريخي الذي اقترفته القوى الاستعمارية منذ قرن فمواقف بعض الأحزاب الشمولية الكردية العسكريتارية من متحكمي سلطة الأمر الواقع حول مسائل الحدود والبديل وتقرير المصير والثورة والتعامل مع الشعب لاتطمئن ولاتطرح تصورا واقعيا للماضي والحاضر ولاتؤشر الى أي أمل ولوضئيل في إدارة الصراع المناسب في مثل هذه المنعطفات التاريخية التي يجتازها شعبنا كما أن اقدام تنظيم – داعش – الإرهابي كمثال آخر على إزالة الحدود بين سوريا والعراق لايشكل النموذج الأفضل في إعادة النظر باتفاقية سايكس – بيكو وبعبارة أوضح معالجة أخطاء التاريخ تجاه الشعوب لاتتم لابمنطق مابعد القومي ولاماقبل القومي .
      كرديا وعلى أرض الواقع وطوال عقود تجري محاولات تغيير نتائج سايكس – بيكو منذ ابرامها من خلال الحركات السياسية والثقافية والثورات والانتفاضات في مختلف أجزاء كردستان وفي الراهن المعاش مازالت المحاولة مستمرة من جانب القوى السائدة بطرق وتصورات مختلفة ومتباينة  في العراق كمركز رئيسي للكفاح الوطني الكردي هناك توجه متصاعد لطرح مسألة الاستقلال على بساط البحث في تركيا الحوار متواصل بشأن حل القضية الكردية سلميا في اطار الاندماج الوطني الديموقراطي والذي يكتنفه الغموض في ايران أيضا لم تتوقف المساعي من أجل انتزاع الحقوق بشتى الطرق في ظل انكفاء الحركة القومية الكردية في سوريا الثورة هناك تنازع بين نهجين بشأن حل القضية الكردية واحد عبر الثورة والحركة الوطنية الديموقراطية السورية وآخر من خلال التوافق مع نظام الأسد تحت شعارات غامضة مثل ” الإدارة الذاتية والأمة الديموقراطية ” .

·        – ورقة تليت كمساهمة مني بناء على طلب الصديق الأستاذ فيصل يوسف رئيس (حركة الإصلاح) في حلقة نقاشية أشرف عليها  في السابع من تموز الجاري بمقرها بالقامشلي حول احتمالات تغيير الحدود الدولية التي رسمت نتيجة اتفاقية سايكس – بيكو .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…