عامودا بين السؤال السياسي والجواب الأخلاقي

ابراهيم محمود

في مثل هذا اليوم يتكرر السؤال السياسي نفسه: لماذا عامودا تلقى هذا العدد من الطعان، تعيش هذا الحِداد أكثر من غيرها من المدن الكُردية، على قتلاها/ شهدائها/ ضحاياها ؟ ألم يكتمل نصابها السياسي لتغير عدتها السياسية وتعيش اسمها دون أن يثقَل عليها صراخ من ماتوا غدراً، أو اغتيلوا غدراً، أو جرّدوا من أرواحهم غدراً في أزمنتها المتتالية ؟

أعلم جيداً، بيني وبين نفسي، أن عامودا ليست المدينة الكردية الاستثناء في تذوق اضطراري لحرقة الملح اللاذع في الجرح النازف، سوى أن لها ” نكهة ” خاصة، في التقديم بنفسها، لا أجدني بعيداً عنها، إنما أعتبرني ملزماً بالاعتراف بميزتها في مأساة تتعدى حدودها المحلية.
إذا كان من شأن السؤال السياسي أن يضع الباحث في شأن الجرح العاموداوي الدامي والملتهب، وبأيد مختلفة، ربما أكثر من اعتبارها كردية تماماً في مكابدة تسميها وتعني غيرها من شقيقاتها من المدن الكرديات الأخرى، أي في مواجهة خاصية عامودا وموقعها من كرديتها، بإيجاد مسوّغ لما يجري، لأن التاريخ النضالي لمدينة دون أخرى يفرض منطقه الخاص، فإن اللامبرر هنا هو هذا التعتيم على المسوّغ نفسه، هو تحويل عامودا إلى كلمات متقاطعة، وتكون الكلمة الضائعة خاتمة المقلق والمحزِن هنا، لأن سؤال عامودا السياسي لا يندرج في خانة الغفل من الاسم، لحظة النظر في مصائب مدينة دون أخرى، حيث قساوة الحجر وعنف الاسفلت قد يتطريان بدماء زكية، ومعاناة من زمرة مطلوبة تخص أرواح أهلين لتستعيد عافيتها في الجغرافيا والتاريخ، سؤال عامودا السياسي هو جماع عنف مركَّز عليها بتاريخها الكردي المعتبَر وجغرافيتها التي لا تستفز كل كردي كردي وهو يعيش نباهتها في تمثل روح كردية لا تخطىء في تهجئة الكردية وإعراب مبنيها من معلوم التاريخ، إنما هو سؤال صريح صحيح فصيح في جملته القصيرة المعبّرة: من هم قتلتها بالأمس ؟ سؤال العارف وليس المستفهم والمستنطق، ليكون الجواب الأخلاقي هو التالي: كل تأجيل للجواب، تعميق للسؤال السياسي وإماطة اللثام عن وجه القاتل المفرد أو الجمعي بلسان مكانها أو المحيط بمكانها أو المحفّز على تنكيل ما بها، رغبة في تطويع لها، أو تركيع لصوتها الجلي كردية، لا يرضى عن هذا الإجراء أي كردي يريد الظهور في النور في عراء الحقيقة وتعرية خصمها، هو دأب كل كردي لا يقبل بكل جواب يقيّح جرح ذاكرة المدينة، ويزمن تاريخاً لا يعتّم على منعطفه الاجتماعي السياسي العامودي مكاناً، الكردي علامة.
في المناسبة الأولى الخاصة بنكبة عاموداوية ثمة استفزاز للمكان والزمان أقرار المكان للمكان، والزمان للزمان، إمضاءة على فعلة آثمة تشير إلى فاعل جمعي ما، لا بد من الكشف عنه أو التعريف به، كرمى كردية مطلوبة، حيث لا يعود في مقدور أي جواب أخلاقي أن يشفع للسؤال العابث والناكت في الجرح العاموداوي أن يهدئ من روع مدينة ليست مدينة العامودي فقط، إنما كل كردي، أنى وكيفما كان حزبه ومذهبه في التصريف السياسي المؤدلج، ومحسوبيته، وتكتله، ومآله العقيدي ، يجد في حضرة الاسم معنى له، لحقيقته، حباً بكردية تعني كل كردي، ودون تحديد مباشر للخصم: العدو، وهو ما يجب الإشارة إليه والتوقف عن هذه المماطلة التي تضعف في روح كل كردي، وليس المنتمي إلى ساكن عامودا وحدها، وإنما روح كل مدينة كردية تعيش مع عامودا نكبتها، وكل كردي أنى كان وهو مأهول بعذابات الضحايا دون تحديد.
لنعش الجواب الأخلاقي الذي يعنينا ككرد معاً، ولنطح بـ”ولكن ” قليلاً، ولنتحرر من غواية السياسي الذي يوقع بنا جميعاً أو قليلاً أيضاً، الأمر الذي يبقينا طوع مهاترة أبعد من كونها سياسية، وخبثاً سياسياً، وتزييفاً لحدث يجب أن يسمى، صحبة فاعله أو المحرض عليه أو هما معاً، لننتقل إلى بهو التاريخ والاحتفاء بالآتي، وقد أعدنا بعضاً من الهدوء المستحق إلى ضحايانا من الكُرد، أعني وقد خففنا من وطأة عذابات عامودا: عذاباتنا المتعددة الجراح حتى اللحظة .

دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…