البيشمركي –الأبيض- والإعلام العربي –الأسود-

ابراهيم محمود

وفق مبدأ: الواقع يبز كل النظريات،
يمكن القول مباشرة، أن ما جرى خلال الأيام الثلاثة الماضية، بعد ” السيطرة ؟”
على الموصل من قبل ” داعش ” وأخواتها العربيات وغيرها، أفصح ويفصح باضطراد
عن قائمة المفارقات التي تحرّك الذهنية الإعلامية العربية غالباً ومتنها القيمي أو
الأخلاقي، فحواها: يمكن التعريف بداعش ومن وراء داعش وخوف من يتخوف منها من العرب ونظرائهم
في التوجه العقائدي والإيديولوجي، كما هو المرئي والمسموع في إعلامهم، سوى أن مجرد
دخول الكوردي” والبيشمركي هنا نموذجاً ” على الخط أو في الواجهة، حتى تأخذ
العبارة والأحكام والتصورات مساراً آخر، كما لاحظت أنا وغيري. 
ما أسهل ما كان يُلاحَظ وبالعين
المجردة ” حيث نعيش الحدث عن قرب ” أي أنا وغيري ” في إقليم كوردستان
العراق وتداعيات الجوار، كيف يجري اختزال دور الإقليم في كل شيء، بدءاً من حكومة الإقليم،
مروراً بقوات الأسايش والبيشمركة والمعنيين بالأمن، وانتهاء بالناس العاديين وهم لا
يعيشون الحدث فقط، وإنما يتأثرون به وأي تأثر: 
بالنسبة لسعي الحكومة إلى
إيواء الفارين من ” الرعب العراقي الموصلي المستحدث ” وفي الأطراف الأخرى،
بدءاً من معبر ” ألوكا ” الواصل بين الموصل ودهوك، وليس انتهاء بالطريق المؤدي
إلى هولير وغيرها، وهم بمئات ألوفهم ودفعة واحدة، حيث الإمكانات محدودة، سوى أن المساعي
بذلت وعلى قدم وساق، دون نسيان أخذ الاحتياطيات الأمنية بعين الاعتبار، والخشية المتوقعة
أو المحتملة من تعرض الإقليم لمخاطر تهدد أمن الإقليم كما هو درس التجارب السابقة،
درس رد الحسن بالقبح . 
بالنسبة للجاهزية القصوى لقوات
الأسايش والبيشمركة قبل كل شيء، في الانتشار الحدودي والتوغل إلى العمق المتاح ليس
دفاعاً عن أمن الإقليم فحسب، وإنما أمن المواطن العراقي بالذات، وهي جاهزية برزت بتماسكها
وأهليتها بمعناها الأمني الحدودي والوطني، رغم المباغتة وصيتها الرهيب، إنما أيضاً،
رغم التخلي ” المثير لأكثر من سؤال واستغراب ” لقوات عراقية كاملة: جيشاً
وشرطة وعناصر أمن عن مواقعها وترك السلاح والعتاد والمدينة و” كنوزها ” تحت
رحمة المهاجمين، حتى نقطة ” ربيعة ” السورية وغيرها . 
بالنسبة للمحاولات المتخذة
وعلى وجه السرعة لحماية ثروات الوطن الواحد، من أيدي العابثين واللصوص، كما شوهد ذلك
في كركوك، حيث سيطرت عليها قوات البيشمركة، والصحيح أنها سعت إلى حمايتها بمنشآتها
النفطية وغيرها، ودفاعاً عن عمقها الأمني الكوردستاني . 
رغم كل ذلك، فإن الذي كان
يشدَّد عليه في مجمل الإعلام العربي هو التنويه إلى مرام ” تحركات ” بيشمركوية
وغيرها لبسط نفوذها على كركوك وغير كركوك ” المناطق المتنازع عليها “، وليس
بنيّة حمايتها، أي تشويه المشهد تماماً . 
إلى جانب ذلك، وفي الوقت الذي
ركَّز الإعلام العربي واستمر يركّز على حقيقة ” سقوط ” الموصل وغير الموصل
بهذه السرعة، وتبين وجوه اللعبة أو المقاصد الخفية، والتخوف من انتشار الخطر الداعشي
ومن وراءه، خارج حدود العراق، والتذكير بالفارين في مئات ألوفهم وما يترتب على دخولهم
لحدود الإقليم من ضغوط وصعوبات شتى، كان ثمة تقليل فارط من الدور الكوردي: حكومة، وشعباً،
وقوات حماية” بيشمركة وغير بيشمركة “، وكأن الخطر الداعشي القائم في اللاممكن
تقديره وحصره ” في الحالتين عربي ” نظراً للمعايَن فيه، لا يعتد به مقارنة
بـ” الخطر الكوردي ” التاريخي، وتبين ذلك حتى من خلال تحفظات كثيرين فروا
من الموصل في التعبير عما يجري، وهم بذلك يترجمون بالبنية الفكرية والعقيدية لهم. 
إن النظر في الاندفاع
” الهائل ” لجموع الفارين، مخيف حقاً، وهو يتطلب المزيد من المكاشفة، لكن
الذين كانوا يتابعون ذلك من أولي أمر الإعلام العربي، ربما آثروا الاستمرار على
” النسخة ” التليدة لهم : عواطف وتصورات وحسابات مختلفة تجاه ” الكورد
“: وهو اعتراف بالجور التاريخي النافذ في الكوردي من جهة، وصعوبة، إن لم يكن استحالة
التطهر من هذه اللوثة الذاكرتية الجمعية غالباً، فالاستمرار في الخطأ يعني تأكيد صواب
ما هنا من جهة أخرى. 
في التغطية المباشرة لتحركات
جموع داعش ومن استسلم لداعش ومن كان داعشياً وتدعشن مباشرة، هنا وهناك، كان ثمة لغة
إعجاب بهذه القوى المستجدة والطارئة، وربما تخيل اللحظة التي يكون ” الشمال الكوردي
هدفاً لها وتحت سيطرتها، مع سعي إلى التقليل من تقدمات البيشمركة وانتشار البيشمركة
وتمكنها من ملاحقة الجموع الداعشية والمستدعشة، وما في ذلك من تمثل القول العربي البغيض
لكنه الواقعي جداً: أنا وأخي ضد ابن عمي، وأنا وابن عمي ضد الغريب” بصيغة ما
“، والفطين وحده يحاط علماً من أن ” الغريب ” الذي لا يؤالَف هنا هو
” الكوردي “، وكأن الخزي الداعشي في العمق لمهزوميهم يتقدم على صمود البيشمركي
الكوردي لهذا الخزي ورد كيده إلى نحره . 
الإعلام العربي ” الأسود
” هو ما يمكن تأكيده أو تثبيته، والبيشمركي ” الأبيض ” مشهدان متضادان،
لا يلتقيان، ولا يمكنهما أن يلتقيا من منظور الذهنية العربية الأحادية الجانب، وهي
الزاعمة قيامتها على خزّين ” مبارَك ” من القيم الإنسانية التي تميز بين
الحقيقية ونقيضها . 
من الطبيعي جداً، أن يكون
البيشمركي مرفوضاً ” لبياض صفحته، وأن يكون الإعلام العربي غير متأهل لأن يكون
الإعلام الفعلي وهو ” سكوب بالألوان، معرَّفاً به بالأسود .. والأسود ليل، والليل
كوابيس، والكوابيس تقلق النائم بأشباحه وعفاريته وغيلانه، مثلما تتملكه فزعاً في وضح
النهار، بينما الأبيض فنهار، والنهار وضوح الرؤية، وزلال الهدف .. 
من هنا لم ولن أستغرب من التشديد
على هذه المفارقة ” سواد الإعلام العربي”، والسواد ضلال وانتحال صوت وصورة،
كما هو وضع المقنع أو الملثم، وسواد الزي المتلفز كذلك وغيره، وبياض البيشمركي، والبياض
شفافية وامتثال الفكرة الدقيقة، كما هو مشهد الوجه الحليق والمأهول بجمال الحياة وحب
الآخر…أتراني كوردياً عنصرياً  هنا؟ ليكن
ذلك هنا.. ليكن ! 

دهوك 

13 حزيران 2014 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…