هل الفكر القومي هو فكر تحرري ؟

 دلكش مرعي 

 تعرض معظم الشعوب تاريخياً للظلم والعدوان والغزو والاضطهاد وتعرض بعضها إلى الإبادة الجماعية وغيرها من الويلات والمآسي … ومن يدقق النظر في جملة الأحداث المروعة تلك سيلاحظ بأن معظمها  كانت نتاج بعض العقائد والأفكار السياسية المتطرفة أو الثقافات الخاطئة التي أنتجه العقل البشري أما لخدمة عرق محدد أو فئة اجتماعية بعينها أو عبر تصور فلسفي خاطئ .. ونتائج جملة القيم والمفاهيم المذكورة هي مدونة في التاريخ وهي غير قابلة للتزييف أو التحوير وبعضها مازالت تنتج حطامها وجرائمها في الحاضر المعاش …
 فالفكر الديني أنتج من جعل من نفسه فرعونا أو إلهاً يقرر مصائر البشر أو من سلالة الآلهة أو من أبنائها أو وكلاء لها على الأرض وغيرها من التسميات المعروفة وتحت مظلة هذا الفكر والدفاع عن عرش السماء جرى أبشع الحروب والغزوات الهمجية في التاريخ البشري استبيح فيها كل ما هو إنساني وحقوقي للبشر ولن نطول في الحديث عن هذه الحروب لأن ما يجري في سوريا من جرائم وحشية وحطام ودمار وصراع تحت مظلة هذا الفكر بقيادة  ملالي إيران والنظام السوري ومشروعهم الطائفي البغيض يعطي صورة واضحة عن همجية هذا الفكر ومآسيه ولا يحتاج إلى أي شرح أو تعليق… إما بالنسبة للفكر القومي فلم يقل مآسيه وويلاته عن الفكر الديني فهو الآخر قد خلف حروباً مدمرة وصراعات دموية بين الشعوب وفي مختلف مناطق العالم فما أقترفه القوميين العرب والترك والفرس من مجازر وحشية بحق الشعب الكردي ومن منطلق استعلاء قومي بحت يفصح بشكل جلي لا غبار عليه عن التعصب الأعمى واللا إنساني الذي يخلفه هذا الفكر عندما يهيمن على تفكير البشر ومشاعرهم …. وللتذكير فقط فقد ظهر هذا الفكر القومي في أواخر القرن الثامن عشر بعد الثورة الفرنسية هذه الثورة  التي اندلعت بالأساس لضمان حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها عبر عقد اجتماعي وقانوني ينصف الجميع وضد قيم الظلم والتخلف والجهل والاستبداد التي كانت سائدة في تلك المرحلة  .. ولكن من المؤسف القول بأن  مبادئ هذه الثورة ألتي أسسها كلاً من – جان جاك رسو – وفولتير – ومنتوسيكو – وغيرهم من المفكرين والفلاسفة الفرنسيين قد أفرغت من محتواه الثوري ومبادئها الإنسانية  واستغلت قوميا من قبل بعض القادة والزعماء في تلك الفترة و كان في مقدمة  هؤلاء – نابليون – الفرنسي ومن بعده – بارون فون شتاين – الإلماني  –  والإطاليان مازيني – وغريبالدي – زد على ذلك فقد أستغل هذا الفكر بشكل عنصري من قبل بعض فلاسفة الألمان أمثال هيغل – وفيختة – ونتيشة – وغيرهم من المفكرين والكتاب الذين مجدوا الفكر القومي ومهدوا الطريق لظهور أحزاب قومية عنصرية وقيادات نازية وفاشية من أمثال – هتلر – وموسوليني – وغيرهم ليبدأ صراع جديد وحروب قومية مدمرة كانت آخرها الحرب العالمية الثانية التي ذهبت ضحيتها أكثر من  سبعة وخمسين مليوناً من البشر عدى الدمار الهائل التي خلفتها هذا الحرب في معظم مرافق الحياة .. ما نحن بصدده هو إن هناك فروق شاسعة بين مفهوم حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها والعيش بحرية وكرامة عبر نهج ديمقراطي وهو حق مشروع لكل شعوب الأرض وقد اقر بهذا الحق الشرائع الأممية في منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية أي هناك فروق شاسعة بين هذا الحق وبين الفكر القومي الذي يستغل من قبل أحزاب وشرائح اجتماعية لتحقيق مصالح شخصية وأنانية بائسة ومدمرة فالفكر القومي لم يحرر عبر تاريخه الشعوب من قيم التخلف والجهل والطغيان بل أستغل جملة هذه القيم من قبل طغاة قوميين سفاحين وقتلة لضمان تحكمهم بمصير الشعوب … فصراعات الأحزاب الكردية التي هلهلت لهذا الفكر وأخترقت صدا شعراتها القومجية غشاء الطبل للشعب الكردي ونادت بتحرير وتوحيد كردستان  هي ذاتها تدفع بالشعب الكردي في غربي كردستان من أجل مصالحها الخاصة إلى حافة الهاوية ونحو مستقبل مظلم ومجهول وهي السبب الرئيسي في هجرة مئات الآلاف من أبناء هذه الشعب إلى مخيمات اللجوء 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…