الحقائق الغائبة في سياسات الأحزاب الكردية السورية

فرحان مرعي

افتقر الكرد في سوريا إلى الدراسات والسياسات الإستراتيجية والتحليل المنهجي في الرؤية للثورة السورية والتنبؤ واستشراف أهميتها بالنسبة للكرد خصوصاً، لم ينظر الكرد إلى الثورة كظاهرة ومنعطف تاريخي فاصل في تاريخ سوريا الحديث، لم يتمكن الكرد من استيعاب المرحلة، بل نظرت إليها كحدث عابر أو طغت النظرة التسويفية على الحركة الكردية وانتظار ما يمكن أن يحدث، كما غلبت العقلية الاتكالية على الدور الإقليمي والدولي في حل المسألة الكردية في هذه الثورة، وإسقاط التجربة الكردية التي نجحت في العراق على التجربة السورية في مقاربة تاريخية وظرفية خاطئة بين التجربتين وهكذا تم الغاء الدور الكردي الذاتي من اللعبة الجارية في سوريا ووصلنا إلى ما وصلنا إليه من فشل شبه كامل.
فشل الكرد في نقطتين أساسيتين : فشلوا في بناء إطار ومرجعية فاعلة لإدارة المرحلة، المجلس الوطني الكردي نموذجاً، كما جهلوا أو تجاهلوا في توصيف وتعريف الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) كجزء عضوي من (ب ك ك)، فكان الفشل كارثة كبيرة. 

ما إن اندلعت الثورة في سوريا تأكد لمعظم الناس والقوى والشخصيات السياسية والثقافية الكردية إن معظم الأحزاب الكردية غير مهيأة لقيادة المرحلة وقيادة هكذا ثورة في المناطق الكردية، بسبب خلل بنيوي وسياسي متراكم على مدى خمسين سنة، أحزاب مهترئة من الداخل، هياكل حزبية فارغة من أي مضمون، لم تقدم على مدى عدة قرون سوى الانشقاقات والتشتت باستثناءات حزبية قليلة جداً ساهمت في ايقاد الوعي القومي الكردي، لذلك جاء بناء المجلس الوطني الكردي على أسس وقواعد هشة، اعتمد المجلس على قوى غير ثورية غير فاعلة، تقليدية روتينية، فكان الأداء سلبياً بامتياز، ونحن لا نستبعد أن يكون بناء المجلس حصل بقرار من خارج الإرادة الكردية لكبح جماح الشباب الثوري وتمييع مشاركتهم الفاعلة في الثورة، ورغم كل هذا ما زال البعض يراهن على المجلس وتفعيل دوره، إننا نعتقد أن مراهنة البعض على المجلس بعد ثلاث سنوات من الفشل شبه الكامل هو الهروب من استحقاقات المرحلة والاختباء وراء الإجماع السلبي، أن اعادة الروح إلى المجلس بحاجة إلى استئصالات جذرية للدمل والأورام المتراكمة في جسد المجلس وإعادة النظر في الفكر السياسي الكردي بحيث ينسجم مع المصلحة الكردية القومية والوطنية السورية في هذه المرحلة المعقدة والحساسة من تاريخ سوريا.

إما الخطأ الاستراتيجي الثاني الذي وقع فيه الحركة السياسية الكردية هو عدم شفافية ووضوح الرؤية من (ب ي د) لقد تم التعامل معه كحزب كردي سياسي ولكنه مختلف يمكن التفاهم معه، أو التقاطع معه في نقاط مشتركة وعلى هذا الأساس تم التعامل، وعقد معه عدة اتفاقيات هولير1 وهولير 2 والهيئة الكردية العليا ولقاءات ولجان مشتركة، ولجنة للدراسة حول مسودة مشروع الإدارة المرحلية وغيرها، لكن في الواقع العملي ضربت (ب ي د) كل هذه الاتفاقيات واللجان بعرض الحائط وتصرفت كقوة مسلحة وحيدة، وكقوة أمر الواقع، وهكذا غابت عن الرؤية، الحقيقة المرة، وهي إن (ب ي د)، جزء عضوي من ب ك ك ، ليس حزباً سياسياً قومياً بل حزباً عقائدياً توتاليتارياً يدعي الاممية (الامة الديمقراطية)، وهذا يعني ليس لديه مشروع كردي واضح، إن هذه التعريف كان من الممكن أن يعزز مصداقية الشعب الكردي أكثر فأكثر بالمجلس والأحزاب الكردية ويعزز مصداقية المعارضة السورية بالكرد رغم مآخذنا عليها.
 

إننا نعتقد أن الشعب الكردي في سوريا يدفع اليوم ضريبة هذين الخطأين بشكل أساسي، والوقائع على الأرض يوحي بمزيد من التصعيد والخطر على الشعب الكردي من النظام وأدواته، ولا يوجد في الأفق أي ملامح للحل، ولكن ورغم سوداوية اللوحة، أن روح الحياة لم تمت لدى الشعب الكردي والتجربة التاريخية الطويلة تؤكد إن رياحاً صفراء كثيرة هبت على هذا الشعب ولكنه ظل صامداً وباقياً على أرضه وتبددت هذه الرياح في النهاية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…