مشروع القرار الفرنسي والجرائم ضد الإنسانية في سوريا

المحامي مصطفى أوسو *

  يناقش مجلس الأمن الدولي، غداً الخميس، مشروع القرار الفرنسي، المتضمن تحويل ملف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا، إلى محكمة الجنايات الدولية، هذا المشروع الذي اقترن بتأييد ( 58 )، دولة في العالم، في بيان مشترك لهم.

  وفي حال تمرير هذا المشروع المقترح، الذي يأتي بناء على طلب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والمدعوم بالعديد من الوثائق والأدلة…، لعمليات القتل والمجازر الجماعية والاعتقال التعذيب…، التي يتعرض لها الشعب السوري، يحال ملف هذه الجرائم، وفق المادة ( 13 ) من نظام روما الأساسي، إلى محكمة الجنائية الدولية، وتبدأ المحكمة عملها، بالتحقيق فيها.
  ومن المعلوم أن مساعي مجلس الأمن الدولي، بتحويل ملف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا، فشلت أكثر من مرة، منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن، رغم الفظائع والويلات التي قام بها نظام المجرم بشار الأسد وزمرته العسكرية والأمنية…، بحق الشعب السوري، وذلك بسبب الاعتراضات الروسية والصينية وممارستهما حق النقض ( الفيتو ).

  أن محكمة الجنايات الدولية، التي تمت الموافقة على معاهدة تأسيسها، من قبل أكثر من ستين دولة في العالم، هي التي تختص بإقامة مثل هذه الدعاوى، لأن الجرائم المقترفة تدخل في صميم اختصاصها، فالمواد: ( 5 و 6 و 7 و8 ) من نظامها الأساسي، تنطبق على الأفعال الجرمية التي ارتكبها النظام السوري المجرم بحق الشعب السوري، كما أن الأفعال الجرمية المنوه عنها سابقاً، تدخل ضمن الولاية القضائية للمحكمة، لأن المادة ( 11 ) من النظام الأساسي، حددت اختصاص المحكمة بالجرائم التي ترتكب بعد الأول من يوليو / تموز 2002
  غير أن الإشكالية تكمن في حال عدم تمرير هذا المشروع في مجلس الأمن، وهو الأمر الأكثر ترجيحاً، بسبب الفيتو الروسي / الصيني، عندها لا تستطيع محكمة الجنايات الدولية، أن تقبل مثل هذه الدعاوى لأن سوريا لم تصادق على النظام الأساسي لهذه المحكمة.
  ولحل هذه الإشكالية، من الممكن اللجوء إلى طريقة أخرى، وهي ما تسمى بـ ( القضاء العالمي )، حيث من الممكن تطبيق هذه الآلية من قبل الدول الأطراف الموقعة على اتفاقيات جنيف، التي أكدت على مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية، بموجب المواد المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والذي بموجبه يحق لأية دولة موقعة على تلك الاتفاقيات ملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب ومحاكمتهم، وهنا تقع المسؤولية على الدول العربية والدول الصديقة للشعب السوري الضغط على تلك الدول – الموقعة على اتفاقيات جنيف المذكورة – باتجاه اللجوء إلى استخدام هذا الحق القانوني وممارسته.
  وفي حال عدم استخدام هذا الحق، من الممكن العودة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي كانت قد أقرت مبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم الأشخاص، مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، عام 1973 وبالتالي من الممكن أن يتم وفق هذا المبدأ، إصدار قرار منها بإنشاء محكمة دولية جنائية لسوريا على غرار المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وهو ما ينص عليه المادة ( 22 )، من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، التي تؤكد على أنه: ( للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضرورياً للقيام بوظائفها ).
  ونعتقد أنه وفي حال فشل المشروع الفرنسي بتحويل ملف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا، لن يبقى أمام المجتمع الدولي إلا خيار إنشاء محكمة دولية خاصة لسوريا، لمحاكمة المجرمين، وفقاً لقواعد القانون الدولي، لأنه من غير المعقول أن يستمر هذا النظام المجرم في جرائمه بحق الشعب السوري، وأن يبقى دون محاسبة ودون أن يعاقب على هذه الجرائم.

* المحامي مصطفى أوسو، عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…