الصراع على كردستان الغربية (7) ..على حافة الهاوية!

 عدنان
بدرالدين
 
بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على إندلاع ثورة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة الإنسانية، تبدو كردستان الغربية أقرب ماتكون إلى حافة هاوية سحيقة قد تطيح تماما بالأحلام التي راودت أجيالا من الوطنيين الكرد في الإنعتاق من الظلم وإسترداد الحرية المسلوبة، إذ أنها تئن اليوم تحت وطأة سياسات أكثر إستبدادية حتى من تلك التي كان يتبعها نظاما الأسد الأب والإبن خلال العقود الأربعة المنصرمة، أو يزيد…سياسات تقوم على كم الأفواه، والإعتقال التعسفي، والسجن بأحكام جائرة دون سند قانوني، ومحاربة المخالفين في قوت يومهم، و التهجير القسري من البلاد، والتصفية الجسدية للآخر المخالف، وسن قوانين تمهد لنظام الحزب الكردي الأوحد من خلال الإستفادة من الصمت الدولي المريب عن جرائم آل الأسد، ووكلاءه المحليين، وذلك من أجل تحويل كردستان الغربية إلى مملكة ظلامية “علمانية”، قائمة على حكم الحزب الواحد، والأيديولوجية الواحدة، والفرد الواحد، على شاكلة نظام الطغيان الأسدي ، ولو ب”لسان كردي”.
لقد أدت السياسة المغامرة واللامسؤولة لسلطة الأمر الواقع الأوجلانية، في تحالف مبين مع نظام آل الأسد، إلى توجيه ضربة قاتلة إلى المشروع القومي الكردي من خلال إقامة مايسمى ب”نظام الكانتونات” الذي هو في الواقع ليس سوى ترجمة عملية لمخططات النظام الرامية إلى تفتتيت كردستان الغربية إلى جيوب صغيرة، مجردة تماما من طابعها القومي، ومعزولة عن بعضها البعض سياسيا، تحت شعارات جوفاء من قبيل “الإدارة الذاتية الديمقراطية” و “الأمة الديمقراطية” وغير ذلك من اللغو الكلامي الذي لايعني أي شيئ، على الإطلاق، سيؤدي ، إن كتب له الدوام، إلى ضرب فكرة التحرر الكردي في الصميم ، خاصة وإن كل ذلك يقام بتنسيق ومباركة من السلطة الأسدية وحلفائها في طهران وبغداد ، وبالضد من إرادة الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الكردي، كما أنه سييقضي، في حال بقائه، على إمكانية حل القضية الكردية في إطار سوريه المستقبلية لواقع أنه يهمش الكتلة السكانية الكردية، عبر تفتيتها التعسفي، في أية عملية ديمقراطية قد تنشأ في المستقبل، وينزع عن الشعب الكردي حقه الطبيعي، والغير قابل للمساومة، في تقرير مصيره بنفسه في إطار سورية ديمقراطية فيدرالية موحدة.أخطر إفرازات هذه السياسة هو النزيف البشري المرعب الذي بات يهدد الوجود القومي الكردي كشعب، فقد أدت جملة سياسات سلطة الأمر الواقع التعسفية إلى هجرة مئات الآلاف من الكرد، بما في ذلك الآلاف من الشباب المناهض لسياسات الإستبداد والعدمية القومية، هجرتهم قسرا من بلادهم بإتجاه كردستان العراق وتركيا والمنافي الأوربية، وبات الكرد في أكثر من منطقة، بما في ذلك قامشلو، يتحولون تدريجيا إلى أقلية في مناطقهم التاريخية، في حين، لم يسجل ، حتى الآن، أية هجرة تذكر للمكون العربي، بما في ذلك سكان المستوطنات العنصرية من الغمر، حيث يتمتعون بحماية مزدوجة من قبل عصابات النظام، والميليشيات الأوجلانية على السواء. في مرتكزات سياسة الأمر الواقع تسوق سلطة الأمر الواقع الأوجلانية ذاتها كحام للتطلعات الديمقراطية والتحررية لمكونات الجغرافية الكردية، وكبان لمنظومة “إدارة ذاتية فريدة من نوعها في العالم”. وتتمحور معظم المزاعم السياسية والفكرية الأوجلانية في نسختها الراهنة على أساس شيطنة الدولة القومية بإعتبارها “أصل كل الشرور” التي يمكن أن تخطر على بال إنسان، وتطرح كبديل مفهوم “الأمة الديمقراطية” التي تتأسس، بزعمهم، على الممارسة الديمقراطية المسيرة ذاتيا من قبل الشعب، نابذة “المفهوم الكلاسيكي” للأمة بإعتبارها تجمعا بشريا لأناس تربطهم سمات إثنية ولغوية وثقافية، يعيشون على أرض واحدة، ويتقاسمون ذات الآمال والأهداف تجاه المستقبل. لكن هذه المزاعم سرعان ماتتحطم حالما توضع تحت الإختبار منطقيا:- لاتبدو المنظومة الأوجلانية متسقة مع طروحاتها عمليا، إذ أن “شيطنة الدولة” تنسحب فقط على التطلعات التحررية الكردية. نحن لم نقرأ أو نسمع من السيد عبدالله أوجلان، أو أي من تلامذته، أي تشكيك بشرعية الدول المقتسمة لكردستان، وهي دول ذات توجهات قومية مغالية بسمات عنصرية وفاشية واضحة المعالم، لابل أن هناك تأكيد مستمر من جانب منظري الفكر الأوجلاني، وفي مقدمتهم بالطبع السيد أوجلان ذاته، على “إحترام تام” لحدود الدول المعنية، وشعاراتها و “ثوابتها القومية”. وكثيرا ما أكد هؤلاء بأن المواد الثلاث الأولى من الدستور التركي لن تكون محل مناقشة لدى البحث عن حل للقضية الكردية في كردستان الشمالية، وهي المواد التي تنص، لمن لايعلم، على أن تركيا هي دولة تضم شعبا واحدا، ذات علم واحد، ونشيد واحد. أكثر من ذلك، هل سمع أحدا أن الأوجلانيين إنتقدوا، بأي شكل، إنطلاقا من فهمهم المزعوم لمفهوم الدولة،  الموقف الرسمي التركي من القضية القبرصية الذي لايرضى بأقل من دولة قومية مستقلة لسكان قبرص الشمالية الذين يزيدون قليلا على المائتي ألف، أي أقل من سكان مدينة كردية متوسطة، ك “باطمان” مثلا؟ طبعا لا، فالدولة القومية الكردية، التي هي الآن ليست حتى على جدول أعمال الحركة الكردية، هي وحدها “الشر المطلق” الذي يجب التصدي له، أما الدول القومية الأخرى فهي، على مايبدو، وبإفتراض حسن النوايا،  شر يجب التعاييش معه، والعمل على التقليل منه تدريجيا!.-  لسنا من دعاة الفكر القومي، ولانعتقد أن الفكر القومي “الحافي” يمكن أن يشكل حلا ناجعا لمشاكل البشرية، والتطلع الكردي نحو الحرية ورفع الظلم الذي يمثل جوهر الفكر التحرري الكردي هو أساسا صراع تاريخي مفتوح مع توجهات فكرية قوموية – فاشية هي، مع الأسف، السائدة ، على الأقل حتى الآن، في كل الدول المقتسمة لكردستان ولاتزال تصر أن تتعامل مع الكردي ككائن أدنى لايستحق الحقوق ذاتها التي يتمتع بها إبن القومية السائدة، طبعا على علاتها،. لكن إبن القومية السائدة، أقله، غير مهدد في لغته وثقافته وتاريخه، بل حتى أحيانا في وجوده كجنس بشري، مثلما هو الحال لدى الكردي. القومية هي بالفعل مرحلة محدودة من تاريخ البشرية سيتم تجاوزها، ولكن بعد وقت سيطول، على الأرجح، كثيرا، خاصة إذا علمنا أن شعوبا متقدمة للغاية وذات تقاليد ديمقراطية عريقة مثل المملكة المتحدة وبلجيكا وإسبانيا وكندا، على سبيل المثال لا الحصر، لاتزال تواجه، في أيامنا هذه، حركات قومية إنفصالية تحظى بدعم شعبي كبير نسبيا.- الإشكالية الأكبر في المفاهيم الأوجلانية عن الدولة والأمة والديمقراطية التي هي نسخة كردية غير متقنة الصنع لمزيج مشوش من الأفكار الفوضوية والعدميه القومية في أكثر أشكالها إبتذالا، نقول أن الإشكالية الكبرى فيها تكمن في التناقض العميق بين هذه الأفكار التي تفترض – حكما – وجود فضاءات رحبة للحرية، بما فيها الفردية، في أصفى أنواعها إنطلاقا، وبين طابعها الشمولي المتزمت القائم على عباده الفرد والتعصب الحزبي الضيق وهو ماينسف كل البناء الفكري الأوجلاني من الأساس، إذ يستحيل، منطقيا، لمنظومة شمولية أن تبني نقيضها ، فالديمقراطية تبنى من قبل الديمقراطيين، ولم يقدم التاريخ البشري حتى الآن نموذجا واحدا يفند هذه المسلمة التاريخية.  – للبحث صلة-    

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…