جان كورد
إن الحركة القومية في غرب كورستان التي ظهرت في البداية على شكل جمعيات ثقافية ومن ثم كحزب سياسي قد انطلقت منذ أكثر من نصف قرن من الزمن كرد فعلٍ على سياسات الاضطهاد والاقصاء والتمييز ضد القومية الكوردية من قبل العنصريين العرب ومحاولات صهرها في بوتقة القومية العربية. هذه الحركة لم ولن تكون عنصرية لأنها قامت على أساس رفض التمييز القومي، وهي ليست حركة انقلابية كحزب البعث بهدف الاستيلاء عل نظام الحكم في سوريا، كما أنها ليست حركة ثورية مسلحة كالحركات الثورية الشيوعية في أمريكا اللاتينية في القرن الماضي، تستهدف استنهاض الشعب لإسقاط النظام عن طربق استخدام السلاح، وفي الوقت ذاته ليست حركة طبقية كالحزب الشيوعي، تسعى لإقامة دكتاتورية البروليتاريا والأممية العالمية، وهي ليست حركة عقيدية كالإخوان المسلمين أو حزب التحرير الإسلامي، فهي لا ترجح ديناً على آخر أو تطعن في طائفةٍ دون أخرى أو تطالب بتحكيم الشريعة،
وفي الوقت ذاته فإنها ليست حركة إلحادية تدعو إلى نسف العلاقة بين الدين والحياة السياسية، وهي ليست ذات مراسيم انتساب أو انتماء وذات رموز وطلاسم أو برامج سرية كالحركات الباطنية المنغلقة على نفسها كالبهائية أو كالماسونية التي لها منظمات سرية كالروتاري والليونز وليس فيها رجال مقنعون كما في (الكوكوكس كلان) العنصرية في الولايات الأمريكية المتحدة…
لم ولا تلعب المكانة الاجتماعية أو الدينية أو المالية أو العلمية في مناهج وبرامج الحركة الكوردية السياسية أهميةً في اختيار أو انضمام الأفراد إلى أحد أحزابها العديدة، ولكنها تفضل بالتأكيد أن يكون المستوى العلمي والثقافي لأعضائها جيداً، وأن ينضم إليها الناس الذين لهم سلطة ما في المجتمع أو تأثير على شرائح وفئاتٍ معينة منه، ومن بينهم الأطباء والمحامون والمؤلفون والفنانون… وقد كان أول أمين عام لحزب كوردي سوري (الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا) الذي تأسس في عام 1957 (نوري ظاظا) دكتوراً في القانون الدولي ومثقفاً، في حين أن الأمين العام للقيادة المرحلية بعد المؤتمر الوطني الكوردي الأول في عام 1970 كان شخصيةً وطنيةً عشائرية معروفة في منطقة الجزيرة (دهام ميرو)، الذي لم يكن حزبياً، بينما السكرتير الأول للحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا المنتخب في المؤتمر التوحيدي لأحزاب الاتحاد السياسي مؤخراً (سعود الملا) من كوادر الحركة القدامى المتمرسين في النضال الحزبي… فأبواب الحركة والصعود فيها للمناصب الهامة مفتوحة لكل من يؤمن بمبادئها ونهجها السياسي، ولا يحظى أي أحدٍ بحقوق خاصةً لدى الانتساب، وعليه أن يمر بمختلف مراحل التراتب الحزبي من مرشح إلى عضو فرقة، عضو لجنة محلية، ثم فرعية، ثم منطقية، ثم اللجنة المركزية، حيث أخذت الحركة الكوردية نظام “المركزية – الديموقراطية” من الحزب الشيوعي السوري والأحزاب اليسارية العربية، بدون أن تطورها لتتلاءم مع المجتمع الكوردي. وهو نظام تخضع فيه الأقلية للأكثرية، والمؤتمر يكون أعلى سلطة في الحزب أو الحركة، وفي حالاتٍ استثنائية تجري تجاوزات على الأنظمة الداخلية للأحزاب، فيتم ضم أحد ما أو بعض الوطنيين إلى التنظيم الحزبي/ قيادة الحزب، كما في حالة تسلم السيد (دهام ميرو) رئاسة القيادة المرحلية في الحزب الديموقراطي الكوردي (البارتي)، وذلك أثناء محاولة توحيد شقي الحزب في عام 1970 تحت رعاية القائد الخالد مصطفى البارزاني، رئيس الحزب الديموقراطي الكوردستاني. وقائد الثورة الكوردية (1961-1975)، وقد يضم زعيم أو جناح ما لحزبٍ من الأحزاب بعض الأعضاء على عجالة قبل انعقاد مؤتمرٍ حزبي وجعلهم مندوبين للمؤتمر عوضاً عن رفاق قدامى غير مؤكدي الولاء، وهذا ما رأيناه في عملية توحيد أحزاب الاتحاد السياسي الكوردي (بارتي 1+2، آزادي 1+2، يكيتي الكوردستاني) في مؤتمره بأربيل (هه ولير) مؤخراً ونجم عنه (الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا). وهذا السلوك الخارق من قبل القيادات الطامحة لنيل نجاحات مؤكدة في المؤتمر تسبب في انسحاب البعض من كوادر الأحزاب من أحزابهم أو من عملية العمل التوحيدي لتنظيماتهم. إلا أن هذا السلوك غير الطبيعي ليس مقرراً في مناهج الأحزاب وأنظمتها الداخلية، ولكنه سلوك غير منتج نجده حتى في أرقى الأحزاب الديموقراطية الأوروبية أيضاً مع الأسف.
لذلك يمكن القول بأن الحركة القومية في غرب هي باختصار حركة واضحة المعالم، ظاهرة الأفكار والمنهج، ومفتوحة لكل كوردي راشد يؤمن بحق شعبه في الحرية والحياة الكريمة ويتمتع بأخلاق حسنة ويحترم عادات وأعراف مجتمعه المحيط به ولا يكون محكوماُ بجرم شائن أو بخيانة ضد بلاده. كما يحق لكل من يعيش بين ظهراني الكورد ومعهم أن ينتسب لحزبٍ من أحزاب هذه الحركة، من أبناء القوميات والطوائف والأديان السورية، طالما يؤمن برفع الظلم عن كاهل الشعب الكوردي ويوافق على العمل من أجل برامج هذه الأحزاب التي تأثرت بشكلٍ أو بآخر بتنظيمات الحركة القومية العربية وأثرت فيها القضايا الإقليمية واقتربت في أطروحاتها السياسية من قوى وسياسات المعسكر الاشتراكي في زمن الحرب الباردة، كما تعززت في برامج الحركة الكوردية مع الأيام أفكار الثورة الفرنسية والديموقراطية الأوروبية.
لا يحق لأحد إطلاق التهم الباطلة البعيدة عن واقع هذه الحركة عليها، لأنها قامت أصلاً على أساس مقاومة سياسة إنكار الوجود القومي لشعبنا الكوردي، ولأنها لا تمتلك أي برنامج سياسي يسعى إلى تحقيق ما هو أبعد أو أشمل من مطالب هذا الشعب المظلوم ضمن حدود الدولة السورية، على الرغم من أن مطلب الحرية والاستقلال حق عادل لسائر القوميات على وجه الأرض ولا يمكن استثناء الشعب الكوردي منه لمجرد أن هناك أحلام توسعية لأبناء قوميات أخرى في المنطقة، إذ لا يزال البعض يحلم باستعادة المجد العربي التليد في غرناطة والأندلس ويعتبرها بلاداً “عربية” لأن العرب فتحوها عنوة وحكموا فيها فترة زمنية من عمر البشرية الطويل، حيث تم طردهم منها من قبل أصحابها الاسبان الأصليين، كما أن هناك نشيداً عربياً يقول صراحةً (وطني امتد وصار كبير … وبكرا أكبر رح يصير!!!)، وفي نشيد آخر يقال بأن حدود الوطن العربي الذي لم يتفق العرب بينهم على اسمٍ له منذ خروجهم من جزيرتهم (الحجاز ونجد) حتى الآن تمتد من مصر إلى تطوان، وتطوان قريبة من جبال قفقاسيا، بمعنى أن غرب وشمال وجنوب كوردستان جزء من الوطن العربي.. ومن الفرس من يحلم بإعادة سيطرة بلاده على اليمن وسائر الساحل الغربي – الجنوبي من الخليج (الفارسي – العربي)، مثلما كان الوضع في زمن الإمبراطورية الساسانية، كما أن بعض الأتراك يحلمون بتوحيد كل الشعوب التركية من البوسفور إلى مجاهل آسيا البعيدة، تحت شعارات طورانية عنصرية… مثل هذا التفكير اللامعقول سيدغدغ عقول الجاهلين من الكورد أيضاً ليطالبوا بسيطرة كوردية على معظم الأناضول وبلاد فارس وحتى أفغانستان لأن الدولة الميدية (الميديون هم أجداد الكورد كالميتانيين) امتدت على كل تلك الرقعة من الأرض تاريخياً.
لم يتضمن الدستور السوري لعام 1952 بعد نيل الاستقلال الوطني في عام 1946، على أيادي العرب و الكورد وسائر أبناء القوميات والطوائف الأخرى، أي بندٍ أو مادةٍ تنص على احترام حقوق القوميات غير العربية، ومنها حقوق الكورد الذين يشكلون ثاني أكبر قومية في البلاد، ولذلك فالكورد بكل حراكهم السياسي – الثقافي – الاجتماعي يتساءلون عما إذا كان الدستور المأمول بعد التخلص من نظام الأسد ودستوره الناقص المنقوص من وجهة نظر حقوق الإنسان سيتضمن أي مادةٍ حول تمتعهم بحقهم القومي في سوريا بعد طول الحياة المشتركة والكفاح الوطني المشترك بين مكونات الشعب السوري. هذا الشعب الذي يتكون من قوميتين أساسيتين (العربية) و (الكوردية) والعديد من الأقليات القومية والدينية التي تشكل فيما بينها نسيجاً اجتماعياً جميلاً وعريقاً في تاريخ المدنية والحضارة الإنسانية.
إننا نستطيع رسم الإطار الفكري والسياسي لهذه الحركة ببساطة كما نتمكن من الاقتراب من حقيقتها التي لا تخفي شيئاً من الأهداف والغايات الباطنية، وظلت بسبب وضوح آرائها قادرة على البقاء والاستمرار، رغم كل محاولات إضعافها تاريخياً من قبل الأنظمة والحكومات العنصرية المتعاقبة على الحكم في سوريا، ورغم محاولات التيارات الدينية (المحشوة عروبياً) لوشم الحركة القومية الكوردية رغماً عن أنفها بالإلحادية والعداء للإسلام ومحاربة العرب الذين أينما انتشروا ساد معهم العدل في الأرض، بدليل ما نراه اليوم على أيادي حكوماتهم من المحيط إلى الخليج مما تحلم به البشرية من العدل والمساواة والإخاء بين المواطنين…!!!
لقد سعت الحكومات والمعارضات العربية في سوريا باستمرار -مع الأسف- للنيل من الحركة الكوردية وتحريفها فكرياً عن مسارها الطبيعي، الوطني الديموقراطي، وحاولت خلق بدائل سياسية لها، مستعينة ببعض القوى “الكوردستانية” التي كانت لها مصالح وعلاقات مع دمشق، ولم تجد حرجاً في التملص من واجبها القومي تجاه شعبها الكوردي في غرب كوردستان، بل إن برامج بعض تلك الأحزاب قد حذفت (كوردستان سوريا) من برامجها السياسية، وهذا ما نستطيع اثباته، كما أن بعض الزعماء الكوردستانيين اعتبروا الكورد في سوريا (أتراكاً) جاؤوا هم لإعادتهم إلى وطنهم الأصلي بتجنيد الآلاف من شبابهم في القتال ضد الحكومة التركية وضد القيادات الكوردية في جنوب كوردستان، وهذا مثبت أيضاً ومعروف لدى الكورد السوريين عامة، والزعم من قبل بعضهم بأن هذه كانت مجرد “تكتيكات” وقتية غير مقبول لأن السياسات التي تلت تلك التصريحات تؤكد بأن تلك القوى مارست ولا تزال تمارس سياسات ناكرة للوجود القومي الكوردي في غرب كوردستان، ولا يزال ولاؤها للنظام الأسدي سبباً من أسباب التمزق الوطني الكوردي حتى الآن.
تضييق الخناق على الحركة الوطنية الكوردية (السورية) بهذا الشكل، بتضافر الجهود بين الحكومة السورية وفصائل معينة من المعارضة التي كانت ولا تزال تزعم أنها ديموقراطية ومدافعة عن حقوق الشعوب والأفراد وتخلي بعض الزعماء “الكوردستانيين” الأقوياء عما يجري ضد هذه الحركة لم يضر بها فحسب، بل جعلها عرضة للتمزّق والتفتت وخلق محاور تابعة لسياساتٍ في غير صالح وحدتها وتطورها وقوتها، مما أنهكها وأوصلها إلى حافة الهاوية فعلاً، بل صار الارتباط على مستوى قيادات وأمناء عامين برؤساء أجهزة أمنية للنظام أمراً اعتيادياً ل”تقليل الخسائر”، وفي الوقت ذاته اشتدت التبعية للإخوة “الكوردستانيين”، لرفع المسؤولية عن كاهل القيادات الكوردية السورية إلى حدٍ كبير، بالاختفاء في ظلالهم الوارفة… في هكذا أوضاع تتعرض البنية الفكرية – السياسية للحركة القومية إلى الاضطراب والتشويش والتغيير، وتتحول كياناتها وأحزابها إلى بقعٍ من الزيت غير متصلة ببعضها تعوم على سطح بحيرةٍ واسعة، لا فائدة يرجى منها.
لم ولا تلعب المكانة الاجتماعية أو الدينية أو المالية أو العلمية في مناهج وبرامج الحركة الكوردية السياسية أهميةً في اختيار أو انضمام الأفراد إلى أحد أحزابها العديدة، ولكنها تفضل بالتأكيد أن يكون المستوى العلمي والثقافي لأعضائها جيداً، وأن ينضم إليها الناس الذين لهم سلطة ما في المجتمع أو تأثير على شرائح وفئاتٍ معينة منه، ومن بينهم الأطباء والمحامون والمؤلفون والفنانون… وقد كان أول أمين عام لحزب كوردي سوري (الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا) الذي تأسس في عام 1957 (نوري ظاظا) دكتوراً في القانون الدولي ومثقفاً، في حين أن الأمين العام للقيادة المرحلية بعد المؤتمر الوطني الكوردي الأول في عام 1970 كان شخصيةً وطنيةً عشائرية معروفة في منطقة الجزيرة (دهام ميرو)، الذي لم يكن حزبياً، بينما السكرتير الأول للحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا المنتخب في المؤتمر التوحيدي لأحزاب الاتحاد السياسي مؤخراً (سعود الملا) من كوادر الحركة القدامى المتمرسين في النضال الحزبي… فأبواب الحركة والصعود فيها للمناصب الهامة مفتوحة لكل من يؤمن بمبادئها ونهجها السياسي، ولا يحظى أي أحدٍ بحقوق خاصةً لدى الانتساب، وعليه أن يمر بمختلف مراحل التراتب الحزبي من مرشح إلى عضو فرقة، عضو لجنة محلية، ثم فرعية، ثم منطقية، ثم اللجنة المركزية، حيث أخذت الحركة الكوردية نظام “المركزية – الديموقراطية” من الحزب الشيوعي السوري والأحزاب اليسارية العربية، بدون أن تطورها لتتلاءم مع المجتمع الكوردي. وهو نظام تخضع فيه الأقلية للأكثرية، والمؤتمر يكون أعلى سلطة في الحزب أو الحركة، وفي حالاتٍ استثنائية تجري تجاوزات على الأنظمة الداخلية للأحزاب، فيتم ضم أحد ما أو بعض الوطنيين إلى التنظيم الحزبي/ قيادة الحزب، كما في حالة تسلم السيد (دهام ميرو) رئاسة القيادة المرحلية في الحزب الديموقراطي الكوردي (البارتي)، وذلك أثناء محاولة توحيد شقي الحزب في عام 1970 تحت رعاية القائد الخالد مصطفى البارزاني، رئيس الحزب الديموقراطي الكوردستاني. وقائد الثورة الكوردية (1961-1975)، وقد يضم زعيم أو جناح ما لحزبٍ من الأحزاب بعض الأعضاء على عجالة قبل انعقاد مؤتمرٍ حزبي وجعلهم مندوبين للمؤتمر عوضاً عن رفاق قدامى غير مؤكدي الولاء، وهذا ما رأيناه في عملية توحيد أحزاب الاتحاد السياسي الكوردي (بارتي 1+2، آزادي 1+2، يكيتي الكوردستاني) في مؤتمره بأربيل (هه ولير) مؤخراً ونجم عنه (الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا). وهذا السلوك الخارق من قبل القيادات الطامحة لنيل نجاحات مؤكدة في المؤتمر تسبب في انسحاب البعض من كوادر الأحزاب من أحزابهم أو من عملية العمل التوحيدي لتنظيماتهم. إلا أن هذا السلوك غير الطبيعي ليس مقرراً في مناهج الأحزاب وأنظمتها الداخلية، ولكنه سلوك غير منتج نجده حتى في أرقى الأحزاب الديموقراطية الأوروبية أيضاً مع الأسف.
لذلك يمكن القول بأن الحركة القومية في غرب هي باختصار حركة واضحة المعالم، ظاهرة الأفكار والمنهج، ومفتوحة لكل كوردي راشد يؤمن بحق شعبه في الحرية والحياة الكريمة ويتمتع بأخلاق حسنة ويحترم عادات وأعراف مجتمعه المحيط به ولا يكون محكوماُ بجرم شائن أو بخيانة ضد بلاده. كما يحق لكل من يعيش بين ظهراني الكورد ومعهم أن ينتسب لحزبٍ من أحزاب هذه الحركة، من أبناء القوميات والطوائف والأديان السورية، طالما يؤمن برفع الظلم عن كاهل الشعب الكوردي ويوافق على العمل من أجل برامج هذه الأحزاب التي تأثرت بشكلٍ أو بآخر بتنظيمات الحركة القومية العربية وأثرت فيها القضايا الإقليمية واقتربت في أطروحاتها السياسية من قوى وسياسات المعسكر الاشتراكي في زمن الحرب الباردة، كما تعززت في برامج الحركة الكوردية مع الأيام أفكار الثورة الفرنسية والديموقراطية الأوروبية.
لا يحق لأحد إطلاق التهم الباطلة البعيدة عن واقع هذه الحركة عليها، لأنها قامت أصلاً على أساس مقاومة سياسة إنكار الوجود القومي لشعبنا الكوردي، ولأنها لا تمتلك أي برنامج سياسي يسعى إلى تحقيق ما هو أبعد أو أشمل من مطالب هذا الشعب المظلوم ضمن حدود الدولة السورية، على الرغم من أن مطلب الحرية والاستقلال حق عادل لسائر القوميات على وجه الأرض ولا يمكن استثناء الشعب الكوردي منه لمجرد أن هناك أحلام توسعية لأبناء قوميات أخرى في المنطقة، إذ لا يزال البعض يحلم باستعادة المجد العربي التليد في غرناطة والأندلس ويعتبرها بلاداً “عربية” لأن العرب فتحوها عنوة وحكموا فيها فترة زمنية من عمر البشرية الطويل، حيث تم طردهم منها من قبل أصحابها الاسبان الأصليين، كما أن هناك نشيداً عربياً يقول صراحةً (وطني امتد وصار كبير … وبكرا أكبر رح يصير!!!)، وفي نشيد آخر يقال بأن حدود الوطن العربي الذي لم يتفق العرب بينهم على اسمٍ له منذ خروجهم من جزيرتهم (الحجاز ونجد) حتى الآن تمتد من مصر إلى تطوان، وتطوان قريبة من جبال قفقاسيا، بمعنى أن غرب وشمال وجنوب كوردستان جزء من الوطن العربي.. ومن الفرس من يحلم بإعادة سيطرة بلاده على اليمن وسائر الساحل الغربي – الجنوبي من الخليج (الفارسي – العربي)، مثلما كان الوضع في زمن الإمبراطورية الساسانية، كما أن بعض الأتراك يحلمون بتوحيد كل الشعوب التركية من البوسفور إلى مجاهل آسيا البعيدة، تحت شعارات طورانية عنصرية… مثل هذا التفكير اللامعقول سيدغدغ عقول الجاهلين من الكورد أيضاً ليطالبوا بسيطرة كوردية على معظم الأناضول وبلاد فارس وحتى أفغانستان لأن الدولة الميدية (الميديون هم أجداد الكورد كالميتانيين) امتدت على كل تلك الرقعة من الأرض تاريخياً.
لم يتضمن الدستور السوري لعام 1952 بعد نيل الاستقلال الوطني في عام 1946، على أيادي العرب و الكورد وسائر أبناء القوميات والطوائف الأخرى، أي بندٍ أو مادةٍ تنص على احترام حقوق القوميات غير العربية، ومنها حقوق الكورد الذين يشكلون ثاني أكبر قومية في البلاد، ولذلك فالكورد بكل حراكهم السياسي – الثقافي – الاجتماعي يتساءلون عما إذا كان الدستور المأمول بعد التخلص من نظام الأسد ودستوره الناقص المنقوص من وجهة نظر حقوق الإنسان سيتضمن أي مادةٍ حول تمتعهم بحقهم القومي في سوريا بعد طول الحياة المشتركة والكفاح الوطني المشترك بين مكونات الشعب السوري. هذا الشعب الذي يتكون من قوميتين أساسيتين (العربية) و (الكوردية) والعديد من الأقليات القومية والدينية التي تشكل فيما بينها نسيجاً اجتماعياً جميلاً وعريقاً في تاريخ المدنية والحضارة الإنسانية.
إننا نستطيع رسم الإطار الفكري والسياسي لهذه الحركة ببساطة كما نتمكن من الاقتراب من حقيقتها التي لا تخفي شيئاً من الأهداف والغايات الباطنية، وظلت بسبب وضوح آرائها قادرة على البقاء والاستمرار، رغم كل محاولات إضعافها تاريخياً من قبل الأنظمة والحكومات العنصرية المتعاقبة على الحكم في سوريا، ورغم محاولات التيارات الدينية (المحشوة عروبياً) لوشم الحركة القومية الكوردية رغماً عن أنفها بالإلحادية والعداء للإسلام ومحاربة العرب الذين أينما انتشروا ساد معهم العدل في الأرض، بدليل ما نراه اليوم على أيادي حكوماتهم من المحيط إلى الخليج مما تحلم به البشرية من العدل والمساواة والإخاء بين المواطنين…!!!
لقد سعت الحكومات والمعارضات العربية في سوريا باستمرار -مع الأسف- للنيل من الحركة الكوردية وتحريفها فكرياً عن مسارها الطبيعي، الوطني الديموقراطي، وحاولت خلق بدائل سياسية لها، مستعينة ببعض القوى “الكوردستانية” التي كانت لها مصالح وعلاقات مع دمشق، ولم تجد حرجاً في التملص من واجبها القومي تجاه شعبها الكوردي في غرب كوردستان، بل إن برامج بعض تلك الأحزاب قد حذفت (كوردستان سوريا) من برامجها السياسية، وهذا ما نستطيع اثباته، كما أن بعض الزعماء الكوردستانيين اعتبروا الكورد في سوريا (أتراكاً) جاؤوا هم لإعادتهم إلى وطنهم الأصلي بتجنيد الآلاف من شبابهم في القتال ضد الحكومة التركية وضد القيادات الكوردية في جنوب كوردستان، وهذا مثبت أيضاً ومعروف لدى الكورد السوريين عامة، والزعم من قبل بعضهم بأن هذه كانت مجرد “تكتيكات” وقتية غير مقبول لأن السياسات التي تلت تلك التصريحات تؤكد بأن تلك القوى مارست ولا تزال تمارس سياسات ناكرة للوجود القومي الكوردي في غرب كوردستان، ولا يزال ولاؤها للنظام الأسدي سبباً من أسباب التمزق الوطني الكوردي حتى الآن.
تضييق الخناق على الحركة الوطنية الكوردية (السورية) بهذا الشكل، بتضافر الجهود بين الحكومة السورية وفصائل معينة من المعارضة التي كانت ولا تزال تزعم أنها ديموقراطية ومدافعة عن حقوق الشعوب والأفراد وتخلي بعض الزعماء “الكوردستانيين” الأقوياء عما يجري ضد هذه الحركة لم يضر بها فحسب، بل جعلها عرضة للتمزّق والتفتت وخلق محاور تابعة لسياساتٍ في غير صالح وحدتها وتطورها وقوتها، مما أنهكها وأوصلها إلى حافة الهاوية فعلاً، بل صار الارتباط على مستوى قيادات وأمناء عامين برؤساء أجهزة أمنية للنظام أمراً اعتيادياً ل”تقليل الخسائر”، وفي الوقت ذاته اشتدت التبعية للإخوة “الكوردستانيين”، لرفع المسؤولية عن كاهل القيادات الكوردية السورية إلى حدٍ كبير، بالاختفاء في ظلالهم الوارفة… في هكذا أوضاع تتعرض البنية الفكرية – السياسية للحركة القومية إلى الاضطراب والتشويش والتغيير، وتتحول كياناتها وأحزابها إلى بقعٍ من الزيت غير متصلة ببعضها تعوم على سطح بحيرةٍ واسعة، لا فائدة يرجى منها.
يجدر بنا التذكير هنا بأن الكورد (وهم مسلمون في أغلبيتهم على مذهب السنة) قد تأثروا عميقاً على المستوى الفكري بالحزب الشيوعي السوري بعد تأسيسه في عام 1927 ، أي أثناء فترة الاستعمار الفرنسي، وفيما بعد حتى قيام حافظ الأسد بالإعلان عن “الحركة التصحيحية” وتعرض على أثره الحزب الشيوعي إلى الانشقاق (رياض الترك / خالد بكداش)، وذلك لأن هذا الحزب قد اقترب من مآسي الشعب الكوردي في بدايات نضاله وبعد الاستقلال الوطني أيضاً، في حين أن “الإخوان المسلمين” و “حزب التحرير الإسلامي” لم يبديا أي اهتمام يذكر بالمسألة القومية الكوردية، ولم يتمكنا من كسب أي مجموعة كوردية سورية إلى جانبهما أو صفوفهما، بل شعر الكورد بأنهم إجمالاً متهمون من قبل هذين الحزبين بما هم ليسوا عليه من سياساتٍ وأفكار… وكانت تعابير “الأممية البروليتارية” و”التضامن الأممي” و”النضال ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية” عوضاً عن “الأخوة الإيمانية” تملأ البيانات السياسية للأحزاب الكوردية أيضاً، كما في بيانات الحزب الشيوعي، ولكن الانشقاق الشيوعي الداخلي وظهور الأسرار الحزبية والخلافات الفكرية على صفحات الجرائد اللبنانية بسبب العلاقة بين الحزب الشيوعي ونظام الأسد أظهر أن الشيوعيين كانوا يقتربون من القضية القومية الكوردية لأسباب “ناكتيكية” وليس مبدئية، وكانوا في سعي مستمر لأخذ مكان الأحزاب القومية بين الجماهير الكوردية… يتبع…