عودة إلى مفهوميّ «الثورة المضادة و ضد الثورة» .

فرمان صالح بونجق

كنت قد أتيتُ منذ فترة ، على مفهومي الثورة المضادة ، وضد الثورة في مقالتين سابقتين متتاليتين ، تحت عنوان ” محاولات في فهم الثورة المضادة كوردياً ” ، واقتربت آنذاك من تشخيص الحالة الكوردية الراهنة ” سورياً ” على أنها تندرج تحت مفهوم ” ضد الثورة ” ، ظناً مني أن أن حالة ما يسمى بحزب الاتحاد الديمقراطي ( PYD ) كجزء من الحالة الكوردية ، هي امتداد لسطوة النظام ضد أبناء الشعب ، وقوى الثورة ، وقد تأكد ظني ، بما لايقبل الشك ، أن تشخيص الحالة الكوردية الراهنة ، هي تحالف قوى الارتداد الكوردي مع قوى النظام ، لقمع صوت الحرية الجسور ، والتشارك في إدارة الغنائم ” أيّاً كانت هذه الغنائم ” ، تأسيساً على توافق نهجين شموليين متآلفين .
وفي هذا السياق ، واليوم ، وفي المناطق الكوردية ، تجري لملمة متشردي وأيتام حزب البعث ، على قدم وساق ، وتتم تهيئة المناخات الاستيعابية لهؤلاء ، دوناَ عن المناطق السورية الأخرى ، وهذا بفضل استكانة ( PYD وملحقاته ) ، وتحت أنظارهم ، والذي يعتقد بعض المراقبين بأنه الفرع السوري لحزب العمال الكوردستاني ، بينما أرى أنه الفرع الكوردي لحزب البعث الجديد ، بنسخة ما بعد الثورة ، والتي ” أي النسخة ” ستصمم طاقتها الاستيعابية ، لتشمل تحالفاً يضم كافة المكونات العرقية والدينية والمذهبية . ومن هنا تتم محاولة إنجاز الأمة الديمقراطية ، كمشروع بعثوي تجديدي ، يرتكز على استقطاب القوميات غير العربية ، وقولبتها ، تكريساً لقيادتها .
وقد يتساءل المرء : كيف سيحدث ما سيحدث ؟. ولكنني أستطيع صياغة السؤال بطريقة أخرى . كيف حدث ما حدث ؟. على الأقل حتى هذه اللحظة .
صدرت التعليمات من السيء الصيت محمد منصورة إلى كافة عملاء الاستخبارات الذين تم تجنيدهم خلال نصف قرن ، بالالتحاق والانضمام إلى ( PYD ) ، وتم التنسيق على أعلى المستويات ، لتوزيع الوظائف الطارئة . وطبقاً لذلك استحوذ عملاء الأجهزة الأمنية على حصة الأسد من الإدارات والمراكز القيادية ، وفي كافة المجالات الحيوية ، ومنها : المراكز القيادية في  الآسايش ، الجمارك ، حقول النفط ، الحبوب والصوامع ، وغيرها . أي قيادة الفعاليات الأمنية والاقتصادية ، وبذا استطاعت الدوائر الأمنية السيطرة على حركة المفاصل القيادية في الأجهزة التابعة لـ (PYD  ) . بحيث بات من السهل قيادتها وتوجيهها بما يخدم مصالح النظام ، دون الإلتفات إلى مصالح الكورد ، مما تسبب في أزمة عميقة كوردية كوردية .
لقد حاولت بعض أحزاب الحركة السياسية الكوردية ، ومعها العديد من الشخصيات الوطنية المستقلة ، إضافة إلى نفر من المثقفين الكورد ، وبجهود كريمة من قبل الأخوة في قيادة إقليم كورستان ، إلى كبح انزلاق جزء من الكورد إلى مستنقع النظام ، إلاّ أنَّ كل المحاولات باءت بالفشل ، وبتقديري إن إية محاولات قادمة ، أيضاً ستبوء بالفشل ، فالخلافات في راهنها خلافات عميقة وبنيوية ، إن لم نعترف بأنها إستراتيجية ، على المستوى الإقليمي ، وفي ظني أن المبادرات لن تتوقف في هذه المرحلة ، لإيجاد مخرج للأزمة الراهنة ، ولكنها قطعاً ستبقى مبادرات من طرف واحد ، ولن يلتفت إليها الطرف الآخر ، لأن الطرف الآخر غارق حتى أذنيه ، ولا يمتلك خيارات إضافية ، إذ أن عملية العودة إلى الوراء ” بالنسبة له ” باتت غير ممكنة ، إن لم نقل باتت شبه مستحيلة . وإزاء ذلك ، يظهر للعيان جلياً تعنت هذا الطرف ، من خلال محاولاته الصارخة في الضغط على إقليم كوردستان ، لاستجرار الحزب الرئيس ” الحزب الديمقراطي الكوردستاني ــ سوريا ” إلى حظيرة الأمة الديمقراطية . بحجة أنه لايمكن القبول بتواجد قوتين في بلد واحد ، وفي آن واحد . بينما هناك قوى أخرى غير كوردية فاعلة على الأرض ، وتتمتع بمزايا لاتختلف عن المزايا التي تتمتع بها ملحقات ( PYD ) .
لقد باتت سافرةً محاولات فصيل كوردي مع من يتحالف معه من القوى السياسية الكوردية المتناثرة ، من جهة ، ومع من يسانده من القوى غير الكوردية التي تدور في فلك النظام ، من جهة أخرى ، بقصد احتكار السلطة في المناطق الكوردية ، والاستحواذ على سطوة القرارات والقوانين التي يصدرها ويتكئ عليها هذا الفصيل ، بقصد إرساء دعائم الشمولية المتعاضدة مع شمولية ما تبقى من النظام ، يؤازره في ذلك ثلة من أنصاف المثقفين ، الذين يؤدون دوراً تدميرياً لمصالح أبناء شعبهم ، وتسهيل سرقة ترابهم ، وتفكيك البنية المجتمعية لأهليهم وذويهم . فيما تزمجر على مدار الساعة ، أبواق النفيرمن ماكينة الإعلام المنقاد ، لقلب المفاهيم والحقائق ، ظناً منها أ، نها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الانتصار .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   تمضي سوريا في أحد أكثر مراحلها التاريخية تعقيداً، حيث تتزاحم الأزمات وتتداخل التحديات في مشهد يشبه الركام. نظام قمعي راحل خلّف دولة فاشلة ، واقتصاداً مفلساً، ونسيجاً وطنياً ممزقاً، وأرضاً مباحة لكل من يريد الاستثمار في الفوضى والدم. لكن ما بعد السقوط لا يجب أن يكون سقوطاً آخر. ما نحتاجه اليوم ليس مجرّد حكومة جديدة، بل…

قمع النّظام الانتفاضة بمنتهى القسوة، وبلغ عدد المعتقلين نحو سبعة آلافٍ من الفتية والشباب وكبار السّنّ وبينهم نساءٌ.. وقد مارس معهم أشدّ أنواع التعذيب مثل: تكسير الأسنان، وقلع الأظافر، والصعقات الكهربائية، وتوفي بعضهم تحت التعذيب كالشهيد الشاب فرهاد محمد صبري. وجلب النظام قواتٍ عسكريةً كبيرةً بقيادة ماهر الأسد إلى الجزيرة، وطوّق الجيش والأمن قامشلو وبقية المدن والبلدات الكردية، وقامت بفصل…

إلى كل من يحاول عبثًا تغيير مسار التاريخ بأساليب رخيصة وبالية، تدين لجنة إحياء ذكرى الأمير إبراهيم باشا المللي، بأشد العبارات، الجريمة النكراء التي استهدفت قبر الأمير، في اعتداءٍ لا يمكن وصفه إلا بأنه محاولة بائسة لتشويه إرثه، والإساءة لتاريخ الشعب الكردي، وإشعال الفتن بين مكونات المنطقة عبر خطاب الكراهية والتحريض. لقد كان الأمير إبراهيم باشا، المعروف بلقب “مير ميران…

نظام مير محمدي*   تُغرق الأخبار المتعلقة بالمفاوضات النووية النظام الإيراني في دوامة من الأزمات الداخلية والخارجية. هذه الأزمات لا تقتصر على فئة معينة في الحكم، بل تشمل النظام بأكمله، وتتفاقم مع مرور الوقت. يمكن رؤية دلائل هذه الأزمات في خطب أئمة الجمعة، وردود فعل نواب البرلمان، والتناقضات في تصريحات المسؤولين.   التحدي الكبير للنظام حدد النظام الإيراني هويته…