الهجرة الكردية من غرب كردستان لا يمكن الحد منها بإغلاق المعابر أو تسهيل الأمور، ولا يمكن إيقافها ببناء خندق أو حتى بزرع ألغام، الداء يجب أن يعالج من الداخل، لذا فإثارة قضية الخندق وراءها غايات أبعد، والسلطة الشمولية السورية المتواجدة في قامشلو هي التي تثيرها على أنها قضية وطنية كردية، وتهمها أن تكون الحدود سهل عبورها لتهجير عموم الكرد من المنطقة، ويكون قد مهد لها بإثارة الفتن ونشر الرهبة بين الشعب مترافقة بكل أنواع المعاناة الإنسانية، فلا يمكن حل هذه القضية بمعاداة السيد مسعود البرزاني والبحث عن أخطائه أو أخطاء حكومة الإقليم والتي لاشك أنها تتحمل الكثير منها، رغم تحملهم أعباء المهجرين السوريين عامة والكرد بشكل خاص، وما ينبثق عنها من معاناة. فإظهار قضايا خارجية لإلهاء الشعب ونسيان معاناته التي يعيشها، أو نقل العتب من السلطة السورية إلى حكومة الإقليم، وتشويه سمعة رئيسها مسعود البرزاني، عملية خاطئة وقتل غير مباشر للثقافة الوطنية الكردستانية، كما وهي في بعدها العميق عملية لتشويه سمعة السيد مسعود البرزاني كقائد كردستاني وإبداله بالقائد أوجلان، أو بالعكس، أي عمليا صراع بين شرائح تعبد أنصاف الآلهة.
ففي الوقت الذي ينكر فيه الـ “ب ي د” أخطاءه ويغطي على بشائع أسايشه، وبالمقابل حكومة الإقليم لا تقل عنهم، ولكن بأسلوب مغاير. كالقيام بالتعتيم على فساد فاضح يؤثر على كل الأطراف الكردستانية، ومثلها ترفع من سوية مسؤولين دون المستوى الوعيين القومي والكردستاني، وبعيدين عن مفاهيم بناء دولة الحلم أو كردستان الكل، وهم قادة الذين ينمون شعور الانتماء إلى الذات الإقليمية، كلاهما يخلقان معارك كردية كردية لا نهاية لها، ولا نجاح لطرف كردي فيها سوى نجاح العدو وحده، والنتيجة معروفة سلفا. عدمية النجاح لطرفي الصراع، في مثل هذه المعارك، هي الخطة الجهنمية التي يعدها العدو لنا، ويغيب عن بالنا إشرافه عليها وإدارته لها، وبهذا الأسلوب “ب ي د” يزيد من هوة الصراع الكردي الكردي ويقوى قدرات العدو ويسهل له خططه للقضاء على القضية الكردية في داخل غرب كردستان وخارجها معا. والمجابهة بالمثل من قبل الإقليم دون البحث عن السبل الكفيلة لتجنب هذه الصراعات هي الأخرى الطرف المعادل لها.
وما يحير العقل هو نزول الإقليم إلى مستوى حزب بحجم الـ “ب ي د”. فالإقليم حكومة بتمامها؛ بينما الاتحاد الديمقراطي حزب، أعلى سقف له هو الكانتونات. مع فرق السقفيات هناك فرق في الإمكانيات أيضا. من الجدير تصرف الإقليم كدولة، وليس كحزب كما هو حال الـ “ب. ي. د.”؛ بينما كلاهما يتصرفان بنفس المستوى وفي حده الأعظم من التدني. وبدأت منظومة المجتمع الكردستاني تصدر بياناتها كقوة كردستانية وحيدة فوق الكل، في الوقت الذي كان على حكومة الإقليم أو الحزب الديمقراطي الكردستاني أن تبقي على سويتها كقوة كردستانية شاملة، لخلق حالة التوازن السياسي في كردستان عامة كواقع ديمقراطي، وتكون لها القدرة على تسيير الأمور في كردستان عامة، وكان عليها أن تبقي الصراع في غرب كردستان بين أحزابها وضمن جغرافيتها، لكن الحوادث المتتالية وبسبب عدم دراسة واعية تم تقزيم دور الإقليم أمام منظومة المجتمع الكردستاني وتدنت إلى سوية أل ب ي د.
مخطط واضح، يعمل عليه العدو، وهو تقزيم الشخصية الكردية، خاصة وقد ظهرت لهذه الشخصية وجود بعد الثورة السورية في الساحتين الدولية والسورية، كما ويخطط لقتل الحلم الكردي وإلى الأبد، وهنا العدو يستعمل كل طاقاته لإقحام جميع الأحزاب الكردية في هذا الصراع، وبمساعدتها تتمكن من تسيير مخططها، بطريقة أو أخرى، كان للعدو دور في خلق رموز متعددة للكرد في كل منطقة بذاتها وضمن كردستان كجغرافية واحدة، ساعدوا على إظهار أعلام حزبية وقومية متعددة، وظهر على خلفية هذه الثقافات قادة بأنصاف ألهه، بين متبعيهم ومريديهم عداوات قاتلة، كل طرف لا يرى إلا قائدهم رمزاً بدون منافس، ويلغون الأخر إلى حد الخيانة، وهذه العداوة لا تقل عن عداوة المذاهب الدينية الإسلامية بين بعضها، كل هذا يندرج ضمن مخطط يعمل عليها العدو لبناء ثقافات مشوهة متناقضة ومتضاربة بين الأقاليم الكردستانية. وسنبقى نسأل بعضنا السؤال نفسه: من هو الطرف الكردي المسبب؟ ولا أحد يجاوب على أن السؤال خطأ، فالمسبب ليس الكردي بل هي السلطة السورية الشمولية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com