عودة الى «معركة الساحل» السوري

صلاح بدرالدين

 كان لسيطرة مقاتلي – جبهة النصرة – وفصائل أخرى على معبر – كسب – الحدودي المشترك مع تركيا في أقصى الشمال الغربي قبل عدة أيام ردود فعل متباينة في أوساط واسعة من أفراد – المعارضات – بمختلف جماعاتها وقد تابعنا في الأيام الأخيرة العديد من البيانات والتصريحات الصحافية والتعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي بين مهلل للعملية باعتبارها تحدث في عقر دار الفئة الحاكمة من شأنها زعزة أركان النظام ودفعه للسقوط والاستسلام ورافض لها كونها ستعمق الفرز الطائفي وتقود الى الحرب الأهلية وستدفع با” الأقليات ” الدينية والمذهبية وخاصة ( العلويين وهم سكان المنطقة الأصليين والأرمن من مقيمين ووافدين هربا من الحروب ) الى المزيد من الاستقطاب والحذر من حقيقة أهداف الثورة مما سيصب بالتالي لصالح مخططات النظام في استثمار مخاوف ” الأقليات ” بحسب التعبير المستخدم .
  وبغض النظر عن إمكانية احتفاظ القوات المهاجمة بالمناطق ” المحررة ” من النظام وشبيحته أو الاضطرار للتخلي عنها لأسباب عسكرية كما جرى في إعادة سيطرة القوات النظامية  على ( تلة المرصد ) وهي أعلى قمة وتعد استراتيجية في المنظور العسكري فان الضرورة تقضي بالاحاطة بهذا الموضوع بصورة موضوعية هادئة ومن دون الذهاب بعيدا في المهاترات وتبادل الاتهامات وتوزيع المسؤوليات جزافا انطلاقا من مستقبل الثورة وصيانتها من تحديات ومخاطر الردات المضادة وفي مقدمتها محاولات حرفها عن الخط الوطني والنهج الديموقراطي لتتحول الى حركة دينية أو مذهبية أو مناطقية كما يراد لها من جانب النظام المستبد وأعوانه ومعركة – كسب والساحل – ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في حساسيتها وتفسيراتها المتناقضة بمافيها الصبغة الطائفية فمجتمعنا السوري تعددي ومتنوع بامتياز وهناك في بلادنا العديد من مناطق – التوتر – الخطيرة والشديدة الحساسية تجاه أي حدث حتى لو كان عابرا بدوافع قومية أو دينية أو مذهبية مثخنة بجراح الماضي تحت ظل النظام البعثي منذ عقود ومعبأة بردود الأفعال المسبقة المشككة المستندة الى مشاعر عدم الثقة لابالنظام الاجرامي الفاسد ولا بجماعات الإسلام السياسي القاعدية وغيرها القابضة على قرار السلم والحرب في أكثر من منطقة ” محررة ”  .

  لقد قلنا بشأن معركة – كسب والساحل –  : ( ” تجاذبات ” الخطوط الحمر ” في جبهة الساحل فلسان حال نظام الاستبداد يقول : ” الاقتراب من مناطق العلويين والقرداحة خط أحمر ” ولسان حال الحكومة التركية يقول : ” استكمال الشريط العلوي ( الذي يجري ترتيبه منذ معارك القصير وحمص والقلمون ) وصولا الى تخوم انطاكيا والاسكندرون خط أحمر فهل ماتدور من معارك على جبهة الساحل بين قوى النظام وأهل المنطقة من جهة وبين اسلاميي ( النصرة ) من الجهة الأخرى مواجهات بين ” الخطوط الحمر ” التي وفي هذه الحالة لاناقة للشعب السوري وثورته فيها ولاجمل ؟ أم أنه بالإمكان نجاح الجيش الحر في استلام زمام المبادرة من جديد لمصلحة أهداف الثورة وتجيير المعركة باتجاه اسقاط النظام ؟ ) .
  استنادا الى التجارب الماضية في فرض المعارك على السوريين وحسمها لمصلحة سيطرة جماعات إرهابية متواطئة مع النظام من دون إرادة قوى الثورة الحقيقية وخاصة تشكيلات الجيش الحر كما حصل بالرقة وكما يحصل الآن في ريف عين العرب – كوباني – وسابقا في رأس العين – سري كاني – وفي مختلف المناطق الكردية من جانب قوى الأمر الواقع المرتبطة بنظام الاستبداد نتساءل هل تمت معركة الساحل بتخطيط وقرار جماعي من قوى الثورة ؟ وهل تم التحضير لها وتوفير اللازم من مقاتلين وسلاح وعتاد ؟ وهل لقيادة الأركان – بشقيه – المتصارعين علم بذلك ؟ وهل أن ضباط الجيش الحر يقودون المعركة ؟ طبعا جواب هذه التساؤلات معروف مسبقا للجميع ولايبدل مشاعر الحذر والريبة وحتى الإحباط لدى كل الوطنيين الحريصين على نقاوة الثورة والايمان بأهدافها وشعاراتها .
  لقد أثير الكثير على ماقاله الكاتب – المعارض – السيد ميشيل كيلو حول الموضوع وبما أنني كنت ولاأزال من أوائل الرافضين لتوجهاته ومواقفه المتقلبة حول قضايانا الوطنية بصراحة تامة فانني أقف بالوقت ذاته مؤيدا لمخاوفه حول تلك المعركة ولاأرى أية قيمة لأقوال واتهامات مهاجميه بسبب موقفه من هذا الموضوع بالذات خاصة وأن جلهم كانوا اما في ( منبره أو اتحاده أو ائتلافه ) حتى الأمس القريب بل كانوا مسيحة جوخه عندما ظهر في وقت ما وكأنه قريب من مصادر قرار بعض المانحين !! .

  نعود لنؤكد مجددا واذا شئنا معالجة هذه الأزمات على أولوية مهمة إعادة هيكلة تشكيلات وقيادة الجيش الحر ورحيل قيادة – الائتلاف والمجلس – دون رجعة وبعد مساءلتها على الفساد والخطايا واسترجاع أموال الثورة منها وإعادة بناء مؤسسة سياسية رديفة ومكملة لقوى الثورة  .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…