البعد الترهيبي للنظام وبعض اتجاهات المعارضة تجاه الكورد

كاسي يوسف

في كل مرة أستعيد فيها الأحداث التي أرهبتني في سوريا, وجعلت مني شخصا لا يحس  بالأمان طيلة العمر الذي قضيته في كوردستان سوريا , أرى الخوف ذاته يتشرب لأجفاني وأدمة جلدي, وشعر رأسي, ذاك الشعر الذي ظل منتصبا من الخوف من مجموع الأدوات الفاعلة في ساحة الترهيب السورية, تلك الأدوات التي لا ترحم أحدا, ولا تميز بين أحد ممن يُعتبرون – خطرا على أمن الدولة-, أو يتربصون على عروش أمنياتهم البسيطة بالحرية.

فالحدث الساخن الآن هو ما يجري في كوباني, من تهديد للوجود الكوردي من قبل تنظيمات ارهابية , سلفية, مرتبطة ارتباطا مباشرا بالنظام الحاكم في دمشق, وممولة منه, وتدعي أنها معارضة.
أما الأسوأ فهو موقف المعارضة المتفرج , الساكت , الأخرس, الشيطاني النية.
ولمن يعتقد أن تاريخ الخوف هذا بدأ مع الثورة السورية أقول: ترهيبنا من قبل هذا النظام أبعد, وجرحنا أعمق, فلقد تربينا في مملكة الموت, منذ نعومة أظفارنا على نسق واحد من الأسس التربوية, بدءاً من المدرسة الابتدائية, وهو أن العصا لمن عصا كمحو للأمية , الامية المعرفية بالخطوط الحمر لمسالك العبور للأرض المحرمة , الأرض التي لا يجدر بالمرء التفكير حتى بأن يخطو عليها ولو حتى في الأحلام, فمملكة الدم هذه مملكة عصية حتى في الاحلام. وكان من الخطأ الجسيم لدرجة الصاق جناية سياسية برقابنا أن نعلن كورديتنا, ولكننا فعلنا ذلك على الدوام , دون أن نتردد.
بل قاومنا النظام بمفهومنا ذي الطبيعة السلمية وأدواتنا البسيطة, كالكتابة والندوات السياسية والتوعية على مختلف الصعد, على الرغم من الأسلحة الكثيرة التي نعلم أن النظام يمتلكها , وعلى الرغم من أننا نعلم أنه لا يفهم لغة سوى لغتها, وليست لديه فلسفة غير الرصاص, والدم والاغتيالات, والغدر, لإرهاب المعارضين.
لم يكن حمزة الخطيب أول شهداء الثورة السلمية , بل قبله بسنين عديدة أذرفت النساء الكورد الدموع على شهداء الانتفاضة الكوردية في كوردستان سورية , عندما تحدوا العصا الغليظة المرافقة لمفهوم ال(شلة) الحاكمة على رقاب السوريين, فالكل يتذكر شهداء آذار, والكل ينسى الكوردي الذي ضخ دمه في سبيل الحرية, الكل هنا , المقصود منه الجماعات المعارضة للنظام, وهي بالنسبة للتاريخ النضالي المعارض في سوريا , حالة طارئة, إذا ما أخذنا بالاعتبار حجم التضحيات الجسيمة, التي قدمها الشعب الكوردي في سوريا, عربونا  لنيل الحرية.
السير في الطريق الخاطئ هو الشيئ الممنوع , الذي منه تتفرع باقي التقسيمات الأخرى, واللعب بالنار كما قيل لي مرة من قبل محققي أمن الدولة, لمقالة كتبتها عن أحوال الكورد في سورية, ينتج عنه حرق الاصابع, تلك المقالة التي بعثتها بحسن نية وبراءة عبر البريد العادي لصحيفة عربية, لم تتمكن من الوصول للجريدة بل تم القبض عليها , وتم التحقيق معي وتهديدي من قبل عناصر أمن الدولة, في منزلنا, اذ حصلوا على اسمي الحقيقي, رغم اني كنت للاحتياط قد بعثت المقالين باسمي المستعار.

أما غالبية المعارضين الذين استفقنا على أصواتهم في هذه الثورة, فهم أسوأ من النظام , وأقبح منه بالمقياس الجمالي, فها نحن نسمع بين الفينة والأخرى تصريحات سيئة المضمون والمحتوى, تصدر من هذا المعارض و من ذاك, وهي سيئة لإسائتها للحقيقة, وليس لشيئ آخر  أبدا, لأن المرشح من كل تلك الكلمات دائما هو المضامين العنصرية, والمستوى المنحط من الثقافة السياسية هي التي تظهر في المرآة التي تعكس صورة تلك الرؤى, ولإن كنا اليوم نقول يسقط النظام فهذا لا يعني أننا متفقون كليا مع هذه المعارضة المسخ, والتي تبدو كمن يتوضأ بماء نجس لأداء فريضة كالصلاة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…