ولنا كلمة (18)

روني علي

وللوجه الثاني فينا متاعب وتراكمات ، رواسب ، تناقضات وإشكاليات ..

وتصارع .

تصارع بين الأول والثاني ، بين الوجه الظاهر ودبلوماسيته ، وما نكنه في داخلنا من أحقاد وضغائن ، بين حقيقتنا وحقيقة ما نبتغيه

بين ما نقول وما نفعل ، بين الأنا – الذات – المتجلية ، والوهم القابع في داخلنا ، والحلم الخارج عن طوعنا … وبين هذا وذاك فواصلٌ من الكلمات ..

!!! .

نحن مجتمعٌ نطمح في التغيير وندعيّه – بتلاوينه وشرائحه – وعلى أساسه نقف على تراكمات رواسبنا ، أخطائنا ، عيوبنا ..

وندّعي التقويم والإصلاح ، التغّيير والتجديد ..

ندّعي ركوب سكة الديمقراطية ، والدخول في عالم المكاشفة والشفافية ، ونتزنر بحزام النقد والنقد الذاتي ، وحرية الرأي والرأي الآخر ، ونخربش على سلالم المنطق ، ولكن؛ وفي كل هذا لنا شروطنا النفسية ، ومحاكماتنا الارتجالية ..

شرطنا أن لا ينبش أحد في ما نحن نراه من سلبياتنا ، تلك هي من خصوصياتنا ، بل مقدساتنا التي لا يحق المساس بها ، ويحق لنا وحدنا أن نأتي عليها ، وإن حدث ، وإن تجرأ أحد بالمساس بها فللمحكمة كلمتها ، سيفها ..

وهنا ننسى ما ندعيه بأن العالم قد تغير ، وأن البعيد أضحى قريباً ، والخصوصيات أضحت عموميات ، وأن ما نعتبره من الداخل أصبح في الخارج ، وما في الخارج هو ملكٌ للكل ..

ننسى أنه أصبح بإمكان الكل ومن خلال كبسة زر أن يجد العلم كله أمام ناظريه ، أن يجد ما يقال عنا وعن غيرنا وحتى عن نفسه ، أن يجد تفاصلينا التي لم نرها ، لأن العادة درجت على أن لا يجد القريب وضعه كما يراه البعيد ، فهو يحسه من خلال ما يتقَول عنه ..

فالصورة الحقيقية ، ودائماً ، تتجلى في الخارج ..

! .

 

    مسكين أنت أيها الثاني ، جاهداً تبحث عن الفرص ، عن الحيَن ، لتنتقم من الذي لم تكن تجرؤ على مجرد الحديث عنه ..

! والآن ، وبمجرد أن تتغير الموازين والمواقع ، تطلق العنان لنفسك وتشهر سيفك ملوحاً يميناً وشمالاً وفي نفسك أن تحد مما يقال ، أو الذي قال ، من الذي تقوله ولكنك تحسبه من الخصوصيات المقدسات ..

! ويوماً ما ، وبقدرة قادر تجد نفسك في ذاك الموقع تماماً ، وأمام هذه اللوحة .

وحينها ، وعندها، يأتي دور الآخر ليقوم بأداء واجباتك ، ولعب أدوارك ..

وعلى هذا القياس الكل يقيس ..

بدءاً من الفرد – الذات ، مروراً بالأطر – الانتماءات ، وانتهاءً بالمؤسسة – الكيان ..

فبالأمس القريب خرج علينا أحد مسؤولي هذا البلد ببشارة خير وبادرة تفاؤل ، خرج ليقول : لا حياة مع الفقر بعد اليوم ، وأنه أصبح بإمكان الكل أن يجد ما يبتغيه ، واعتماداً على هذه البشارة.

ولكن ما أن استقبلنا الصباح التالي ، حتى وجدنا أن الذي دخل أحد الجيوب خرج من الثاني ..

! وتيقنا أن جملة ما قيل لم تكن إلا عبارة عن ترتيب ومقدمة للذي ترسخ في اليوم التالي ، أي أن زيادة الرواتب لم تكن سوى زيادةً في الأسعار ..

أو أن كل هذا كان عبارة عن شكل احتفالي بمناسبة الأول من أيار وتكريم للطبقة العاملة .

فماذا عساك أن تقول لكلماتك ..

فقد تكون نسيت أنت الآخر مستلزمات هذا العالم الجديد ، وعلى أن كلام الليل في عالمنا يمحوه النهار ، ولا تجد هناك من يحترم ما صدر عنه وعنك ..

تكون قد نسيت أننا في عالم ما زلنا ندفع ضريبة تراكماتنا، عقلية المؤامرة ، والتربية التي بنيت على الدجل والنفاق ، تلميع المشهد وتهذيب الحركة ، وتطويع الكلمات ..

في عالم ما زال مقصه يعمل في الصفحات وأسواره تضيّق على الكلمات وأقبية زنازينه تخنق التطلعات، ولكن والكل – ونحن منهم – ينسى على أن شطب المقالات وقص الصفحات لن تمنعها من الوصول ، وتهذيب الكلمات لن تمنع من كشف حقيقتها ، والتقمص لن يجدي سبيلاً أمام قوة الحقيقة .

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…