ديون العائلة الخزنوية:

ابراهم اليوسف

لعبت الأسرة الخزنوية، في أصعب فترات تاريخ منطقة الجزيرة، المعاصر، ومنذ حوالي مئة سنة، دوراً كبيراً، في نشر العلم، والمعرفة، في المنطقة،  بل ونشر الوئام، والتآلف بين القلوب، بعد أن انتشرت السرقة، والنهب، والتخلف، في المنطقة، وصارت  تل معروف” بعد قرية خزنة مبعث الطريقة”، منارة للملايين، يزورون هذه الأسرة، سنوياً، من كل مناطق سوريا، بل والعالم الإسلامي، حتى تخرج مئات آلاف الطلاب على أيديهم، ممن أنفقوا عليهم- جميعاً- من جيوبهم، دون مد أيديهم لأحد، وكانت لأكثر شخصيات هذه الأسرة مواقف مبدئية، تسجل لهم، ومنذ أكثر من نصف قرن،
 وقد خصهم ضابط المخابرات محمد طلب هلال بجزء من ضغائنه على الكرد،  خلال دراسته الشهيرة عن منطقة الجزيرة، داعياً للقضاء على هذه الأسرة، وهوماتمّ في زمن الأسدين، حيث سلط عليهما زبانية أجهزة البعث والمخابرات، إلا أن حضور الأسرة: إسلامياً، كان يخفف من وطأة كل ذلك.

في كل أصقاع العالم، ثمة من انتفع من دور هذه الأسرة، التنويرية، وفق رؤاها، ومرحلتها، بهذا الشكل، أو ذاك، وقد كانت بذلك، من أهم الأسرالسورية، وأكثرها منزلة، وأقواها دوراً، ويعدّ مرقد الخزنويين الذي يحتضن كلاً من الشيخ أحمد، وأبنائه الشيوخ معصوم، وعلاء الدين، وعزالدين، وحفيده الشيخ محمد الذي قضي بتدبير أمني- كما كتبت شخصياً عن ذلك- من قبل من اغتالوا شقيقه الشيخ معشوق، واغتالوه، وهم الآن من عداد نوى الهجوم الثأري على “تل معروف” التي طالما شكلت مبعث استفزاز لهؤلاء الوحوش الضارية، وهي تستكمل قطيعها، بطواقم إضافية، جاءت من جهات العالم، كافة، من خلال تشجيع النظام السوري، ورعاته، لهم، وهاهم استكملوا ما خطَّه لهم أبو المخابرات السورية الحاقدة على الكرد، وعبر تدبير، أبعد من المرئي.
و”تل معروف” تحتل مكانة رمزية، ليس لدى الشعب الكردي- في أجزاء كردستان الأربعة- كمركز  روحي، تاريخي، بل على صعيد العالم الإسلامي، وللتاريخ- فإن الوثائق الفرنسية- تشير إلى الدور الوطني للشيخ أحمد الخزنوي، في وجه الانتداب الفرنسي، حيث تم نفيه إلى ديرالزور، لمدة ستة أشهر” وكان معه آنذاك جدي الشيخ إبراهيم، طوال تلك الفترة، يقيمان في منفاهما معاً.  وكان أن تدخل حاجو آغا، إثرئذ، لدى السلطات الفرنسية، للحصول على العفو لهما” وهو ما كتبت عنه، في وقت سابق. إن فعل هدم المزارات الشريفة، هو الأول من نوعه، بشكل وحشي، منذ بداية الثورة السورية، وحتى الآن، بل إنه الأول من نوعه-كردياً- وإسلامياً، لاسيما أن أصحاب الطريقة، وأتباعها، الفعليين، لم يسيئوا، إلى أحد، وذلك لابتعادهم-عن السياسة- كما سن ذلك مؤسس الطريقة الشيخ أحمد، وهوما يبين أن هناك مؤامرة، أبعد، من حدودها- وستؤكد الأيام المقبلة أنها جزء من مخطط كبير، وأن هناك ضالعين كباراً فيه، وهو ليس مجرد ترجمة لنزوة  البربرية، والوحشية، والجهل، من قبل منفذي الجريمة، الأكثر بشاعة، في تاريخنا المعاصر، وما قاموابه دعوة للنفورمن الإسلام، لأن لا أسرة في سوريا، كلها، نشرت الإسلام، وخدمته، كما فعلت هذه الأسرة، رغم ما يمكن أن يسجل من نقد على أدائها، من قبل هذه الجهة، أو تلك، إلا أنها كانت مخلصة، لرؤيتها، ولم تحد عنها، في حدود جذورها الأولى، المشهود لها.
ومن عجب، حقاً، أن ردود الفعل، تجاه جريمة قصف وتدمير مرقد الشيوخ الخزنويين، الشنعاء ، ظلت في حدود ضئيلة، لا تتناسب وحجم ما حدث، إذ كان من المفترض، أن تتم ترجمة الغضب الشعبي، العارم، عبر تظاهرات، سلمية، احتجاجية، واعتصامات، حضارية، محلية، وعربية، وإسلامية، ودولية” في تركيا وحدها الملايين من أتباع هذه الطريقة” لتكون عامل ضغط للتدخل، لتنظيف سوريا، من أمثال هؤلاء، السفاحين، التكفيريين، لأنهم من تسببوا في استمرار حكم بشار الأسد، ليمارس كل هذا الخراب والدمار الذي تندرج هذه الجريمة، القذرة، من ضمنها، وهي مسؤولية النظام، أولاً وأخيراً.   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…