وجهة نظر حول المجلس الوطني الكردي

سعيد فرمان

 تشكل المجلس الوطني الكردي في 2011 / 10 / 26 في الأساس من مجموعة من الأحزاب والمنظمات المتباعدة سياسياً وفكرياً, ومن شرائح متنوعة من المستقلين الذين لم تجمعهم أيضاً وحدة الرؤية والموقف, ورغم ذلك فقد حاز المجلس في البداية على رضا وتأيد الجماهير له واهتمامهم به وعُلقت عليه الآمال خاصة لدوره الإيجابي السلمي في بعض الأحداث والمحطات التي مرت, ومع توالي الأيام واستفحال الأزمة السورية والتحولات التي جرت على محاور الصراع وظهور معطيات ومتغيرات جديدة في الساحة, أصبح المجلس جسماً مترهلاً وفاقداً لبريقه القومي كونه لم يتمكن من القيام بدور فاعل ومحوري كما كان يُراهن عليه,
وبدى بتركيبته الحالية وبسوء أدائه ليس فقط عاجزاً عن مجاراة المرحلة بإستحقاقاتها ومستلزماتها الدقيقة وإنما بات أشبه بالشخص المريض والعاجز الذي لم يعد يقوى بالوقوف على أرجله, وباتت معالم تفككه وموته السريري وبكل أسف تلوح في الأفق, وبكلمة أدق وأكثر وضوحاً لم يعد المجلس الوطني الكردي في سوريا كإطار سياسي – قومي جامع معبراً كما في السابق عن ارادة القوى والقطاعات التي أعطته الثقة والمصداقية (خاصة شرائح الشباب)؟
 إن الخطأ الكبير الذي وقع فيه المجلس الوطني الكردي بمعظم قواه السياسية ومنذ الأيام الأولى للمشهد السوري يتلخص في قراءاته وتحليلاته التسطيحية – المستنسخة للحدث والتي لم تتمكن من الغوص في عمق المسألة والإحاطة بكل جوانبها وأبعادها الداخلية والخارجية والطائفية, حيث أن معظم تلك التحليلات والمقاربات كانت تقول أن الثورة السورية هي امتداد وصدى لما سُمي بالربيع العربي في المنطقة, وأن النظام السياسي في سوريا سينتهي خلال بضعة أشهر كما جرى في تونس ومصر وليبيا, والمصلحة الكردية تكمن أولاً / ووفق تلك الرؤية السياسية الصنمية للأمور/ في التريث والانتظار على المستوى الميداني والمراهنة على الانتساب للواجهات العربية المعارضة ثانياً (علماً أن بعض أحزاب المجلس كانت منضوية في الأئتلاف السوري قبل أن ينضم إليه المجلس الوطني الكردي بشكل رسمي)؟
 لقد غُيب أمر توضيح وبيان البُعد الطائفي – المذهبي بإمتداداته وأبعاده الإقليمية في الأزمة السورية من خطاب أحزاب وقوى المجلس وتم التصوير على أن ما يجري في سوريا هي معركة بين الشر كله متمثلاً بالنظام والخير كله متمثلاً بالمعارضات العربية, السياسية منها والمسلحة والتركيز فقط على شيطنة النظام القائم واعتباره المصدر الوحيد للبلاء وأيضاً الوحيد الذي يتجاهل القضية الكردية في سوريا ولا يعترف بها, إن الإسقاطات الحادة للمفاهيم السياسية والتنظيرية الجامدة والوحيدة اللون من قبل أحزاب وقوى المجلس على المشهد السوري المُعقد ساهم إلى حد كبير في إرباك الشرائح والفئات الكردية المثقفة والمتنورة وخلط للأوراق والملفات.
 – وفي هذا السياق وانطلاقاً من ثوابت الواقعية في العمل السياسي – النضالي لا بد من الإقرار أولاً بفشل هذا الإطار على مستوى الأداء خاصة في المجال العملي, والعمل ثانياً لبلورة وصياغة رؤية أكثر واقعية وموضوعية تتناسب والمعطيات على الأرض في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي تمر بها قضية الشعب الكردي وابتكار آليات عمل جديدة ونوعية لتنشيط المجلس وبث روح جديدة فيه, أو البحث في بديل أكثر جدوى وفاعلية وذلك من خلال إجراء مراجعة نقدية شاملة لكل ما جرى على مدى (3) سنوات مرت, وإعادة النظر في المواقف والمقاربات التحليلية للأزمة السورية بكل تداعياتها وإسقاطاتها السياسية وحيثياتها الاجتماعية, وهنا لا بد من القول والتأكيد أن مسألة التغير والتبديل في الأدوات والوسائل النضالية, أو إصلاحها وتطويرها / المجلس الوطني الكردي هو أداة ووسيلة / في مجرى الممارسة النضالية هي حالة صحية وظاهرة ايجابية وعملية تلجأ إليها الشعوب عبر شرائحها الاجتماعية المتنورة وقواها السياسية عندما تتأكد من عدم جدوى آليات ووسائل نضالها وكفاحها وذلك ليس كنفي سلبي ومطلق لكل ما تراكم خلال السنوات الماضية من ايجابيات وخبرة بقدر ما هي عملية تطوير وتجديد على صعيد الأداء السياسي وابتكار واستحداث آليات ووسائل أكثر تعبيراً وفهماً للمرحلة الآنية والإقتناع بمقولة ما كان صالحاً ونافعاً بالأمس قد يكون ضاراً اليوم ومعيقاً للعمل والنشاط, لذلك تستدعي الحاجة لإجراء تجديد كامل وشامل للمجلس الوطني الكردي بحيث تشمل كافة المحاور والمفاصل (المشروع السياسي, آليات العمل, البنية التنظيمية) أو العمل بجدية من أجل إيجاد إطار آخر بديل للمجلس الحالي الذي استنفذ مقومات بقائه واستمراريته بالشكل المطلوب.

23 / 2 / 2014 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…