الحركة الوطنية الكردية وتحديات اللحظة الانتقالية…

عبدالرحمن كلو

ربما تعيش اليوم الحركة الوطنية الكردية في سوريا أصعب مراحل تطورها التاريخية ، ورغم أنها  عاصرت مراحل عدة وأنظمة مختلفة  منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم   لكنها الآن  تواجه مرحلة أخرى مغايرة تماماً تختلف عن كل ما سبق ربما أشبه ببدايات نشوء الدولة السورية التي قامت على أنقاض ولايات ودول المكونات الطائفية والمجتمعية على تخوم سايكس بيكو والحرب العالمية الأولى ،فالأزمة السورية بتداعياتها المختلفة وحالة الحراك الثوري الانتقالي غيرت الكثير من قواعد اللعبة السياسية ، إذ لم تعد الحركة أمام طرف بعينه مشخص بنظام أو حزب بذاته كما حزب البعث مثلا ، فهي أمام وضع سياسي متداخل ومعقد جداً آلت إليها الازمة السورية ،
 فالثورة السلمية للشعب السوري اغتيلت وحرف مسارها باتجاه العنف والعنف المضاد ودخلت المشاريع الدولية والاقليمية على سكة الأزمة في مسارات متعددة الاتجاهات والتوجهات حتى باتت الساحة السورية ميدانا لمعارك بالوكالة وتصفية حسابات إقليمية ودولية ، فالولايات المتحدة الأمريكية وإيران قامتا بإقحام الملف النووي الإيراني وإدراجه في ورقة المساومات التفاوضية كما أصبح محاربة الارهاب المتمثل بالتنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة جزءاً من الصراع الدائر في خيوط متشابكة وتقاطعات  تكتيكية بين النظام وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، هذا بالاضافة إلى تنامي الدور الروسي من أجل الاحتفاظ ببعض من نفوذه في سوريا المستقبلية ، هذا إلى جانب الاهتمام الفرنسي بتداعيات الازمة السورية في لبنان والتمويل السعودي والقطري لبعض أطراف المعارضة المسلحة والنفوذ التركي من خلال حركة الاخوان المسلمين  ودور العراق اللوجستي الداعم للتدخل الايراني كطرف اساسي في الصراع وامام هذا المشهد السياسي العسكري الأمني المتداخل يأتي دور إقليم كردستان محكوماً بقواعد التوازنات الإقليمية القائمة، كما أن الشراكة في إدارة الاقليم والعلاقة مع بغداد محكومة بهيمنة النفوذ الإيراني، والعملية السياسية في العراق برمتها تحكمها تلك التوازنات ، ولهذا السبب يتعذر على الديمقراطي الكردستاني –عراق تجاوز التفاهمات بين عراق المالكي وإيران والنظام في سوريا من جهة وبين توافقات واصطفافات بعض الأطراف السياسية الكردية داخل الاقليم  وفي شمال كردستان من جهة أخرى لأنها تدخل ضمن نفس الحلقة الاصطفافية لمرجعية التحالف السوري الايراني العراقي وفي إطار تلك المعادلة يبدو عجز الديمقراطي الكردستاني واضحاً في التقدم باتجاه العلاقة الصحية مع أطراف الحركة السياسية الكردية في سوريا وهذا العجز يحمل تداعيات سلبية في التعاطي مع الأزمة السورية بشكل أو بآخر ، رغم محاولات الرئيس بارزاني المتكررة في ترتيب البيت الكردي ، وهنا لا بد من الاشارة إلى  سلبية الممارسة الحزبية التقليدية لدى البعض من الأوساط القيادية في الأحزاب الكردية فهم أنفسهم قادة الخنادق الحزبية المنعزلة في زمن السكون والرتابة حيث كانت معظم الولادات لقيادات الأحزاب الكردية قيصرية ومن الخاصرة ،لذا فهي- بمعظمها- لم تتأقلم بعد مع مفاهيم ومعطيات الحالة الوطنية الراهنة وضرورات انتقالية اللحظة التاريخية من الحالة الحزبية إلى الحالة الوطنية ومن هنا نلاحظ أن المشهد السياسي يبدو اكثر تعقيداً من تصوراتنا له ومن خلال الاشارة إلى تعقيدات تجاذبات وتناقضات المشاريع الدولية والاقليمية في الساحة السورية نرى أن الحالة تحتاج إلى جهد استثنائي كبير ومبادرات خلاقة لمواكبة متغيرات وتداعيات الأزمة السورية وربما في ذلك نحتاج إلى عوامل عدة  يجب توفرهما لمواجهة هذا التحدي التاريخي .

أولاً: وجود قيادات تاريخية مؤهلة لقيادة الحركة السياسية الكردية تستطيع تجاوز الحالة الحزبية والانتقال بها إلى الحالة الوطنية في  هذه اللحظة التاريخية المناسبة ، ومثل هذه القيادات  موجودة فعلياً في صفوف الحركة السياسية الكردية ولدى أكثر من حزب  لكنها قد لا تكون في مركز اتحاذ القرار أو في موقع القوة التي تخولها تغيير موازين المبادرة ، وهنا قد نبدو وكأننا أمام شرط تعجيزي غير قابل للتحقيق ، لكننا إذا ما آثرنا الموضوعية في القراءة سنرى أن اللوحة ليست بالسوداوية المطلقة فبالتوازي مع غياب المبادرة من لدن مثل هذه القيادات هناك قاعدة جماهيرية واسعة لدى هذه الأحزاب وفي الشارع الكردي مفعمة بالروح الوطنية المحرضة على التغيير وهذه القاعدة ذات حساسية عالية وهي ترسل بإشاراتها كل يوم عن طريق موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك ) وصفحات المواقع الإلكترونية المختلفة الخاصة بالشأن السياسي الكردي السوري ومن خلال المنظمات الحزبية والفعاليات الشعبية والتنسيقيات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني وهي ضاغطة إلى حد كبير باتجاه الخروج من عزلة الحالة الحزبية وجدرانها العتيقة المهترئة والتي باتت قاب قوسين او ادنى من الانهيار.
ثانياً : البحث عن إطار سياسي جامع لمختلف القوى الوطنية الفاعلة في الساحة الكردية يشمل الأحزاب والشخصيات والنخب المثقفة والتنظيمات الشبابية ، ويمكن اعتبار المجلس الوطني الكردي نواة لمثل هذا الاطار بعد إعادة هيكلته واستبعاد الأحزاب الوهمية التي لا تملك إلا أسماءها أو التي تغرد خارج السرب الوطني الكردي . 
ثالثاً : دعم ومساندة من كردستان العراق وفق أهداف ورؤى استراتيجية كردستانية من فوق الحواجز الحزبية التقليدية ، وذلك بالاستعانة بقوة الاقليم الاقتصادية وعلاقاته السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية  للحد من النفوذ الاقليمي (تركيا وايران )  في صناعة القرار الســياسي الكردي .

وبتوفر هذه العوامل نكون قد أعطينا القضية زخما وبعداً دوليين ووفرنا لها عوامل اللحظة الانتقالية التاريخية ، وأخرجناها من بين جدران المساومات الداخلية مع قوى غير مؤمنة أصلا بالحق الكردي ، لأن القضية في جوهرها هي قضية شعب أصيل يعيش على أرض وطنه التاريخي ولا يمكن حلها إلا وفق العهود والمواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…