خوازيقكم السياسية ومؤخراتنا الشعبية عبر معبر سيمالكا

 ابراهيم محمود

لا يُعقَل أن يستهان بكُردستان اسماً وشعباً، حيث يصبح معبر “سيمالكا” الفاصل بين غربها وجنوبها، إلى هذه الدرجة من الإيلام، لا بل على هذا المستوى من الخوازيق المحضَّرة والتي لم تسلم منها مؤخرة كل من عبر النهر من الكُرد بالقارب “الكَلك” البائس بؤس حال الكردي: روحاً، وجسداً، حاضراً وآتياً، وأولهم، كما همو همو في الصفوف الأولى مناسباتياً: حملة السياسة ونوَّابها وحجَّابها وركّابها وعرَّابها كردياً، وربما أدمنوها أو تكيفوا معها، ولهم دور كبير في نشأتها ورعايتها، من خلال هذا الكر والفر في وضع حد لمأساة الكردي- الكردي، في حالات مختلفة، أكثر من كونها إنسانية، لأن ليس من حالة ليست إنسانية لحظة النظر في الوضع اللاانساني، كما لو أن المطلوب من اللاجئ حين يعبر النهر التوقيع بالعشرة على التعهد بأنه لن يعود إلى جهته، حتى لو طال به الزمن، وإذا رجع فلن تكون له عودة، كأن عليه أن ينسى بيته وجاره وما خلفه وراءه. يا لكرديتي المعذبة!
لا أعني بذلك غض الطرف عن الذين يكابدون ويبذلون الجهود الأخرى والمدرَكة لتنظيم عملية المرور، ووجود من ليس لديهم استعداد بعد للتكيف مع واقع حال أو مستجد، إلا أن المعاناة التي تعاش يومياً، باتت تشكل ذاكرة فولكلورية، جمعية، كما لو أن المعبر، صار مَخبراً، لمدى قوة التحمل لكل عابر، وسابراً لكرديته وفق مقاييس بيننهرية، وصنوف الإذلال التي يتعرض لها مكرهاً أو متعوداً أو محاولاً  التكيف، أو لزوم النجاح في دورة تأهيل لهذه المعاناة المستجدة .
هذا المعبر بقدر ما كاشف الكرد عن مدى تمزق كردستان حدوداً وجنوداً ووفوداً وبالكرد وفي الكرد، ومدى تحملهم لجور الكردي ومراوغة الكردي، وحيل الكردي في ” استثمار ” مشاعر الكردي، بقدر ما خرَّج ولما يزل يخرّج أصنافاً من المرتزقة والمرابين والمكولكين وقصابي المشاعر وجزاري الأفكار، والسماسرة جيئة وذهاباً، والمهرّبين بأصنافهم، كما لو أننا بتنا نشهد انكشاف كل ما عهدناه في هذا ” الآخر ” الذي يكون في عِداد ” الغريب- العدو ” من بطش وإهانة ولوائح تحقير، ومدى صلاحية هذا التقابل النهري وما يفيض على ضفّتيه إلى ما وراء المنظور والمنشور بشراً وصوراً، للتحول إلى أكثر من فيلم” أكشن ” من نوع ” كردميركي “، والصفقات التي تتم من خلال القصص لا بل ما يُسمع طازجاً يومياً من أفواه القادمين كثيراً، والمبالغ المفروضة عليهم و” تشليحهم ” حتى ما هو أبعد من جلدهم المتبقي، وما يحمله لنا المستقبل من وعود مروعة لحظة ” تفريغ ” هذه الأسطوانات ” اللحمية- العظمية ” المتناقلة على الورق ونشرها، ولأن ثمة من يؤرشفها لليوم الموعود، لنكون في عهدة مافيا كردية تجمع ما بين السياسي والتحزبي والشعاراتي.
يا لضنى النهر الدجلوي وكربته وغربته في من يعبرونه وهو بطوله يهزأ بهم، كما يتجاهلهم وقد يئس منهم..
سادة الشعارات، الهتافات، الردهات المكيفة، إن الخوازيق التي أبدع فيها سيمالكا لم تعد تمنح أياً مناً أماناً، وهي تزداد حدة وتسنناً، طولاً وسماكة، إلى درجة أن مؤخراتنا لم تعد تمنحنا فرصة التقاط الأنفاس، لأنها تتنامى ضغطاً من الأسفل، ولعل هذا الجهر بالشكوى والخاص بطلائع الكرد المعذبين بكردستانهم بعيداً عن أقنعة من يدغدغونهم بالشعارات، لأن المسألة باتت أبعد وأعمق من حدود الجوع والعطش، هذا الجهر بالشكوى، سيدفع بالكثيرين ممن كانوا قادرين على الكلام أو الحركة، إلى التصريح بعجزهم عن الكلام والحركة كلياً جرّاء ضراوة هذه الخوازيق، فلا يعود هناك سوى الصراخ ..
لا تعود نشرات الأخبار بمفيدة، ولا البهرجة الخبرية لمذيع النشرة أو مراسله التلفزيوني أو من تتم مقابلته، أو من يتهرب من المقابلة لتوضيح حقيقة الموقف، حيث المعبر ينفجر بأهل كردستان وكردستان، ولا تعود التسويفات والاتفاقيات والتعهدات مجدية، لأن كل تأخير، وما أكثر تأخيرات الكرد مقارنة بأكثر الشعوب تخلفاً في كل شيء في العالم انطلاقاً من عددهم ومددهم الشعاراتي ووضعهم، لأن كل تأخير يضاعف من حجم التباعد بين الكردي وما يقال عن كردستان.
ربما كان في الوسع الحديث عن الإمكانات والتحديات، ولكن لا يجب الخلط بينها، وما يحصل انطلاقاً من معبر سيمالكا وما أصبح يقال سيمالكياً ” فاحت ريحتو تماماً “، لأن ليس من عدو ناطق بلغة أخرى يمكن تحميله بعضاً من أوزار العابر والمعبور، بقدر ما بات المعبر كاشفاً نوعية العورات التي تنكشف على وقع سيمالكا.
أيها المعنيون بكردستان المعابر والمخابر والمنابر، خذوا راياتكم، خذوا أصواتكم، خذوا نياشينكم، خذوا شاراتكم ورتبكم، خذوا أغانيكم المفضلة، خذوا استعراضاتكم خذوا مطبّليكم من الكتاب وأنصاف الكتاب وربع أرباع الكتاب، وكتبة رسائلكم والمستذنبين منهم هنا وهناك، إذ إن سياساتكم المعتبرة، وهي قد فقدت صلاحية العمل بها من لحظة الإعلان عن ولادتها الوخيمة، ودعوا.. دعوا…دعوا لنا كردستان التي تتجاوز حدود سيمالكا.
أخيراً وليس آخراً: خذوا خوازيقكم التي عهدتموها وهي بدعتكم، ودعوا مؤخراتنا وحالها، لعلنا نحسن النظر حولنا، ونكون على بيّنة من كردستان قابلة لأن تعاش أكثر من طول الخازوق، والعمق الملتهب للمؤخرة .
دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…