العقدة الدونية في تجلياتها الكردية

حليم يوسف

لن أدخل هنا في تفاصيل الحديث عن العقدة الدونية وماهيتها، بل سأحاول تسليط الضوء على بعض تجليات هذه العقدة المستعصية بخصوص الحالة الكردية السورية لدى بعض الشرائح التي فاجأتها، وربما فاجأتنا جميعا، المستجدات الأخيرة في المناطق الكردية من جهة الانسحاب الجزئي لقوات النظام السوري من تلك المناطق وحلول القوات الكردية المشكلة حديثا من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي والمسماة وحدات حماية الشعب ي ب ك محلها. وما تبع ذلك من تطورات ميدانية توجت بالنجاح – عسكريا – في طرد الكتائب الاسلامية المسلحة من سري كانيه وحماية تلك المناطق من خطر سيطرة تنظيم القاعدة بجناحيها النصرة وداعش، وبإعلان الادارة الذاتية للكانتونات الثلاث – الجزيرة، عفرين، كوباني -.
بالإضافة الى تشكيل قوات الأسايش وتكاثر أعداد التنظيمات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية، بغض النظر عن مدى فاعليتها على الأرض. هذا عدا عن البدء بتعليم اللغة الكردية، سواء في المدارس الرسمية أو الخاصة. كل هذه الوقائع على الأرض دفعت الكثيرين الى دق جرس الانذار والخطر من شبح سلطة كردية ناشئة تبسط سيطرتها على الأرض وتهدد (أحلام وطموحات) الساعين الى السلطة من ورثة البعث والثوريين الجدد الذين نقلوا بندقية النظام التي كانوا يحملونها سابقا من كتف الى كتف.
 واذا كان ذلك مفهوما الى حد ما، فان الملفت في الأمر هو انضمام بعض الأوساط الكردية الى هذا الهجوم المحموم على هذا الشبح الكردي الناشئ وتحت مسميات عدة، ثوروية حينا ووطنية سورية حينا آخر واتهام ي ب ك بالعمالة للنظام وما الى ذلك من مغالاة في التقرب من القوى والشخصيات المعارضة ومحاولة الركون الى أحضانها الدافئة والتمتع بنعومة أنامل الأسياد لدى المسح على الرؤوس والشعور بنشوة البقاء تحت جناحيها بحجة السعي الى اسقاط النظام أولا.
 وقد أخذ هذا التماهي مع الحالة الثورية السورية أشكالا عدة، منها التهكم على مصطلحات جديدة أفرزتها الحالة الكردية والسخرية من شخصيات وأناس كانوا مهمشين في ظل النظام وفجأة تصدرت أسماءهم واجهة سلطة حاكمة، سواء في الادارة الذاتية أو في قوات الأسايش.
 والأمثلة في هذا المنحى أكثر من أن تعد، فالذي كان يقف بخشوع عظيم أمام سؤال أصغر عنصر من الأمن العسكري في عاموده مثلا عن هويته فيخرجها له صاغرا وراضيا ومتفهما للأمر الى أبعد حد، بات يحتج لدى سؤال عنصر الأسايش، ابن مدينته، عن هويته و يعتبرها اهانة ما بعدها اهانة، خاصة أنه يعرف عنصر الأسايش هذا ويعرف تاريخ عائلته الأسود، كما أنه يعرف ماذا فعلت عمته قبل سنوات وكذلك خالته. هذا على صعيد الحياة اليومية.
 أما على الصعيد السياسي فقد كان موقف المجلس الوطني الكردي حيال الادارة الذاتية شبيها بموقف المرأة (الحردانة) حيال زوجها الأرعن، أكثر مما يكون موقفا سياسيا، فاستبعد وطرد الأحزاب والشخصيات المتعاملة مع هذه الادارة من صفوفه، بدلا من ممارسة المعارضة السياسية لهذه الادارة ضمن الأطر القومية المشتركة، ودون أي اعتبار للمصالح فوق الحزبية. فرفض الانضمام الى الجبهة الكردية الأخرى بحجة الفيدرالية وعدم تلبية الادارة الذاتية لطموحاتها القومية، في حين أنه انضم للائتلاف العروبي المعارض الرافض للادارة الذاتية وللفيدرالية معا.
 كما تجلت هذه العقدة لدى بعض المنشغلين بالعمل الصحفي والأدبي بطريقة كاريكاتيرية تجسدت في الهجوم الهيستيري على الجهة الكردية التي بسطت نفوذها على الأرض وبات اتهام الاتحاد الديمقراطي بالعمالة للنظام بمثابة جواز سفر لهؤلاء لكسب صفة الكردي الشريف والثوري والمعارض الوطني. وقد أعجب بعضهم هذا الدور البطولي في الثورة السورية فباتوا مختصين بابراز جواز سفرهم هذا كلما دق الكوز بالجرة، حاصدين بذلك التصفيق من الأسياد ورضاهم التام وضمان تواجدهم في الخندق الواحد، مضافة اليه مئات اللايكات من الرعاع والمنتقمين والساخطين على بني قومهم في الفيسبوك.
وأستثني هنا الأقلام الكردية الناقدة التي تلاحق الأخطاء التي ترتكبها القوى السياسية الكردية، والتي للاتحاد الديمقراطي والمؤسسات التي تدور في فلكه حصة الأسد من تلك الأخطاء، الكبيرة منها والصغيرة، الا أن المشهد النقدي الكردي يبدو، الا فيما ندر، متخما بأقلام وأفواه تنتج أفكارا وآراء وشتائم هي تحصيل حاصل لعقدها النفسية والشخصية والحزبية أكثر ما تكون نتاج رؤية نقدية موضوعية وتحليلية للتغيرات والمستجدات البالغة الأهمية التي تشهدها الساحة الكردية السورية. وتبرز العقدة الدونية تجاه الآخر كمنتج رئيسي لهذه المقاربات التي تحمل الكثير من خاصية رد الفعل الشخصية والقليل من الرصد الموضوعي للوقائع
…………………………
نشرت هذه المقالة في جريدة كردستانى نوى الصادرة بالكردية في السليمانية  18.02.2014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…