مؤتمر جنيف2 والوفد الكردي المشارك..!

دهام حسن

إن مشاركة الكورد بوفد الائتلاف المفاوض إلى مؤتمر جنيف2 هي من حيث المبدأ مكسب وطني، فضلا من أنها خطوة إيجابية تسجل للحراك السياسي الكوردي، وسط هذا التشتت والحيرة، ناهيك عن شبكة من العلاقات المؤثرة في القرارات الداخلية، بين مؤازر ومبارك للمشاركة، أو رافض للخطوة،  دون قراءة ممعنة للحالة الكوردية، ناهيك عما لبعض قادته من ماض ملتبس..

بوسعنا أن نقول أخيرا كان القرار السياسي المسؤول والصائب من المجلس الوطني الكوردي بالمشاركة، أكثر من هذا فقد جاءت المشاركة بوفد رفيع المستوى من حيث التمثيل، (ثلاثة أمناء عامين للأحزاب الكوردية) لكنّ بالمقابل أرى أن الوفد الكوردي بدا متواضعا في قدراته الفنية والمعرفية،
 كنّا نتمنى لو تشكل الوفد من أصحاب الكفاءات، ومن له اطلاع على الواقع الجغرافي والسكاني والقانوني السوري، وحتى من يتقن لغة أجنبية كالإنكليزية مثلا ، فضلا عن بعض الإعلاميين لتغطية الحدث، بحيث تستغل هذه المناسبة للخوض في مسائل وقضايا سياسية خاصة بالكورد السوريين، على العموم لن نقف عند هذه النقطة، المهم ما في الأمر هنا هو أن الكورد قد حزموا أمرهم أخيرا وقرروا المشاركة في قوام الوفد المعارض ضمن الائتلاف، فدللوا بهذا على وطنيتهم أولا، وبأن مصيرهم كمكون قومي له خصوصية وسمات مرتبط بمصير سائر المكونات الأخرى لاسيما المكون العربي، وتأكيد على توق السوريين جميعا للحرية والخلاص النهائي من سلطة الأمن والاستبداد، بحيث تنقلب سوريا إلى واحة للديمقراطية والتعددية، وتغدو وطنا لجميع السوريين..

من المعلوم إن التغيير نحو الأفضل هو سمة كافة شعوب الأرض في مسيرتها التاريخية، وما تدشّنه الثورات العربية اليوم لن تفارق هذه السنة، بل تصنف في هذا الإطار، فعجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء، هذا ما ينبغي أخذه بالحسبان، ووجوب أن يعيه كل واحد منا..
أما من جهة أداء الوفد الكوردي فقد جاء الأداء متواضعا، ربما يعود هذا إلى ضعف القدرات لدى المشاركين الكورد في وفد الائتلاف، والضعف في التعاطي لما يقتضيه أدب الحوار، كنا نتمنى أن يستغل الوفد الكوردي هذه المناسبة ليكشف ما تسمح به الظروف من معاناة شعبنا الكوردي كل هذه الحقبة المديدة، وحرمانه من أبسط حقوقه، حتى منعه من التكلم بلغته على سبيل المثال لا الحصر..
رغم  كل ذلك يبقى قرار المشاركة في وفد الائتلاف المفاوض قرارا صائبا وجريئا، فالقرار قد اتخذ رغم اللغط الكبير واعتراض الكثيرين على المشاركة حتى داخل الأحزاب الكوردية المشاركة في المجلس الوطني الكوردي، وهنا أسجل نقطة إيجابية للسيد عبد الحميد درويش الأمين العام للحزب التقدمي لدخول الائتلاف، وهذا ما يشد من أزر الحركة السياسية الكوردية، لكن ثمة من يسأل: هل جاءت مشاركته مزاجية، أم نتيجة قراءة سياسية واعية لما يسفر عنه الوضع مستقبلا.؟ فثمة من يقول ما اللهجة التصالحية التي عبر عنها في الساعات الأخيرة من الجولة الأولى في مؤتمر جنيف2 ليس سوى دليلٍ على تردده وقراءته الحائرة لما يجري، أما استمراره على موقفه الجريء هذا، يبقيه محط احترام، وتقدير الجميع، وأنه على وعي من أين تؤكل الكتف، إن القضايا المصيرية تتطلب مواقف مدروسة، صحيحة وجريئة، مواقف ترتكز على القناعة بعيدة عن التسرع والموسمية والمزاجية..
أريد هنا أن أثير نقطة جوهرية أخرى اختلف معي حولها الكثيرون إزاء تطلعات شعبنا الكوردي في رسم مستقبله، قلت أني مع حق الشعب الكوردي فيما يرسم هو لنفسه حتى في حلمه بكردستان الكبرى موحدة، لكن دوما كنت أستدرك فأقول علينا التعامل في هذه المسألة بوعي، وأخذ الظروف بالحسبان، أقول أن مؤتمر جنيف2 خاص بتناول واقع النظام والمعارضة، وكيفية الاتفاق وتشكيل هيئة حكم انتقالية، وسينصب الحديث على من يحكم سوريا ويديرها مستقبلا، وسيطول الحديث ويحتدم النقاش حول شكل الإدارة الانتقالية، من هنا فالحديث سيكون عن الجانب الديمقراطي والتعددية، وضمن هذه التعددية سيأتي الحديث عن المكون الكوردي، وربما يتقدم وفد الائتلاف بتصوره في المسألة الكوردية وفق  اتفاق أولي بين المجلس الوطني الكوردي والائتلاف، وقد يجري الحديث عن سائر المكونات الأخرى كالآثوريين مثلا، حول حقوقهم لكن المسألة لن تعالج ولن تتخذ قرارات جازمة نافذة حول ذلك، بل سيؤخر على ما يرجح ليقر في الدستور القادم لدى التعديل أو صياغته من جديد، علينا أن ننظر إلى كيفية تعاطي وفد الائتلاف المعارض كطرف  واحد، وأي مكسب للنضال الوطني من قبل وفد الائتلاف هو مكسب للقومي الكوردي، ونجاحه يكمن في مدى قدراته إلى جذب واكتساب العناصر العربية للوقوف إلى جانب حقوقه القومية المشروعة، وتبقى الديمقراطية هي البلسم التي تهيء أجواء ومناخات ينعم في ظلها السوريون جميعا بالأمن والحرية فضلا عن حقوق كافة المكونات السورية ومن ضمنهم شعبنا الكوردي..

باعتقادي أن جليد مؤتمر جنيف2 لن يذوب حتى في جولته الثانية،  وأن الجدار العازل هذا لن يخترق مالم يتحرك طرفا المعادلة من الخارج، أقصد الروس والأمريكان، وربما أطراف أخرى ناهيك عن المفاجآت والتي هي كخمائر لا بد لها أن تنضج في يوم ما، فلا يمكن التكهن بتاريخها، وإن نتنبأ لها إيجابيا في الجولات القادمة..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…