ثورات الربيع والمسألة القومية

صلاح بدرالدين

ان التقييم الإيجابي العام لثورات الربيع كحركات هادفة الى اجراء التغيير الديموقراطي وانتزاع الحرية والكرامة باعتبارها ظاهرة تاريخية متصلة بماضي الشعوب  ونابعة من العمق الوطني كحاجة ضرورية لإزالة الاستبداد وإعادة التوازن الى الحياة السياسية التي عبث بها نهج الاستبداد وأدى الى انهيار القيم المجتمعية الأصيلة وإزالة التقاليد المتوارثة النابعة من صلب حركات الشعوب الوطنية التحررية المتسمة بالانفتاح والاعتدال والتنافس الحر واستغلال الخيرات لمصالح فئوية ضيقة على حساب حرمان البلاد من التنمية والتطور الطبيعي الخلاق

وتهميش الغالبية وسيادة إرادة التسلط بقوة أجهزة القمع والاستبداد المنوطة بأداء وظيفتها في الحفاظ على النظام الأحادي في اللون السياسي والآيديولوجيا والفرد الدكتاتور والحزب والفئة والقوم والدين والمذهب نقول أن القراءة الواقعية تلك لاتمنع أبدا رؤية مظاهر سلبية ترافق ثورات الربيع جراء الكبت المستديم لعقود خلت وتفجر كل الآلام وبأصوات عالية دفعة واحدة مما خلقت عقبات في طريق انتصار الثورة .
 لقد كان النصيب الأكبر لثورات الربيع في بلدان متعددة الأقوام والديانات والمذاهب والثقافات والمناطق وكذلك التيارات السياسية المتباينة ففي تونس والى جانب الغالبية العربية هناك – الأمازيغ – الذين أظهروا تعلقهم بلغتهم وثقافتهم وتاريخهم عبر طرق ووسائل مختلفة وفي ليبيا تمكنت الحركة الأمازيغية من عقد مؤتمرها القومي في العاصمة وطرح طموحات وتطلعات شعبها بمافيها الدعوة الى ضرورة أن يتضمن دستور الثورة الاعتراف بوجود وحقوق الأمازيغ وحل قضيتهم القومية واعتبار ليبيا دولة متعددة القوميات والثقافات وفي سوريا حيث يشكل الكرد القومية الثانية بحدود 15% من سكان البلاد الى جانب الأقوام الأخرى مثل التركمان والآشوريين والكلدان والأرمن الذين يطالبون وخاصة الكرد منهم بحل قضاياهم القومية على أساس تلبية طموحات شعوبهم المشروعة وتضمين الدستور الجديد لتلك الحقوق الى جانب الأديان والمذاهب والطوائف ومن هذا المنظور فان حوالي نصف السوريين اما ليسوا عربا أو ليسوا مسلمين سنة وفي مصر يشكل الأقباط نسبة كبيرة من المجتمع المصري ولديهم مطالب يغلب عليها طابع المساواة في الحقوق الدينية والمشاركة العادلة وفي اليمن هناك خصوصيات مناطقية – قبائلية ومذهبية وهناك الصراع القديم – الجديد بين الشمال والجنوب حيث توصل مؤتمر الحوار الوطني مؤخرا الى إقرار الفدرالية لليمن بستة أقاليم .
 من دون شك أن هذا الطيف التعددي الجميل في بلدان ثورات الربيع وهذا النسيج بألوانه العديدة الزاهية هي دليل غنى حضاري أصيل واذا كان الاستبداد قد حولها الى نقمة ووسيلة خلاف واختلاف بين أبناء البلد الواحد لمصلحة ادامة سلطته على مبدأ – فرق تسد – فان ثورات الربيع تزمع في أعادتها الى مكانها السليم وذلك عبر صفحات الدساتير الجديدة والقوانين والتشريعات التي تفسر الواقع كما هو معيدة تعريف الشعوب والبلدان والاعتراف بها وجودا وحقوقا ومستقبلا من جهة أخرى وللانصاف نقول أن تلك المكونات جمعاء بمافيها القومية أحرص ماتكون على انتصار ثورات الربيع والمساهمة فيها وهي لم تخرج في جميع مطالبها وبرامجها ومشاريعها عن اطار وحدة البلدان الوطنية والعيش المشترك على قاعدة التشاركية في السلطة والثروة من دون تميز .

 وكما تدل المؤشرات استنادا الى تجارب شعوب العالم وتراث ثوراتها التحررية والتقدمية والخبرات الوطنية المحلية فان الحل الأمثل الذي يجب أن يحظى أولا وآخرا برضا الشعوب والتوافق بين الجميع هو النظام الفدرالي الذي يعم نصف دول العالم وهي من أكثرها تقدما ورقيا واستقرارا واذا كانت الأولوية في ثورتنا الوطنية السورية لاسقاط الاستبداد وتفكيك سلطته فلاضير من طرح هذه المسألة الهامة على بساط البحث والنقاش من جانب النخب الثقافية والسياسية بمافيها فصائل الثورة وجيشها الحر كجزء من التحضيرات لصياغة دستور النظام السياسي القادم في سوريا الجديدة وإعادة بناء الدولة الديموقراطية التعددية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…