عقد كردية مستعصية

  حليم يوسف

شهدت الساحة السياسية الكردية السورية، أو ما يسمى كرديا غرب كرستان، تطورات دراماتيكية لا تقل أهمية عن غيرها من المناطق السورية المقبلة على تغييرات جذرية في طبيعة الحكم وفي حالة المد والجزر التي تشهدها القوى التي تتناوب في تقاسم النفوذ والسيطرة على الأرض مع السلطة القديمة التي تبدو متماسكة حينا ومهلهلة في أحيان أخرى. الا أنها تقاوم الزوال بكل ما أوتيت من قوة وجبروت وقدرة فائقة على القتل. وبقدر تشابه الحالة المعاشية والحياتية على امتداد الأرض السورية فانها تختلف أيضا في المناطق الكردية عن غيرها، نظرا لخصوصية الوضع الكردي واختلاف الاصطفافات السياسية والقومية والاجتماعية لتلك المناطق،
 نظرا لتواجد الحركة السياسية الكردية بأحزابها المختلفة منذ النصف الثاني من خمسينيات القرن المنصرم وحتى الآن، عدا عن الخصوصية التاريخية والجغرافية لتلك المناطق التي عانت من اهمال متعمد من السلطة المركزية ومن تطبيق سياسات استثنائية عنصرية قميئة كمشروع الحزام العربي و(فضيحة) الاحصاء السيئة الصيت. وكان بدء انضمام سورية الى البلاد التي قامت فيها ما تسمى ثورات الربيع العربي مفتاحا للبدء بمرحلة سياسية جديدة وتطورات بالغة الخصوصية في غرب كردستان، بدت وكأنها منفصلة الى حد ما عن السياق السوري العام، نظرا لاستعداد بعض القوى السياسية الكردية بتولي المبادرة الى املاء الفراغ الذي نجم عن تقهقر قوى النظام في الداخل السوري واضطرارها الى الانسحاب من بعض الأطراف وخاصة بعد فقدانها السيطرة على بعض المنافذ والمعابر الحدودية. فشهدت الساحة الكردية حراكا وتنافسا منقطع النظير حسمه الاتحاد الديمقراطي ب ي د لصالحه ولصالح حلفائه على الأرض وذلك بانشاء قوة مسلحة، عسكرية، منظمة باسم وحدات حماية الشعب ي ب ك التي استقطبت مقاتلين من أحزاب أخرى وانضمام مجموعات مسلحة من العرب ومن السريان المتعايشين مع الكرد في محافظة الحسكة. ولازال التنافس السياسي والصراع على أشده بين مختلف الأطراف. خلقت هذه الحالة الخاصة واقعا سياسيا جديدا تم تتويجه باعلان الادارة الذاتية لمقاطعات الجزيرة وعفرين وكوباني، والتي من المفترض أن تتوحد في ظل قيادة موحدة لكل مناطق الادارة الذاتية. والملفت في هذا المنحى هو أسلوب تعامل قوى المعارضة السورية مع هذا الواقع المستجد من جهة وكذلك طريقة تعامل الأحزاب الكردية المنضوية تحت لواء المجلس الوطني الكردي وبقية شرائح المجتمع الكردي المصابة بالذهول أمام شبح سلطة جديدة تنتمي الى قومها وتتحدث الكردية مثلها، وفق ظاهرة معقدة ومتعددة الجوانب والوجوه. ويحيلنا هذا الأمر الى تناول المسألة وفق منظار نفسي، تحليلي، قبل تناول الخلفية السياسية لهذه الظاهرة. وكأننا أمام عقدة عويصة متشظية، آخذة شكل مفارقات سياسية فاقعة من جهة الشريك العربي السوري، وموقفه من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) خير مثال على ذلك، حيث أن داعش في حلب وادلب منظمة ارهابية ومن صنيعة النظام وفي سريه كانيه – رأس العين-  وريف الحسكة جزء من الجيش الحر ومن الثورة السورية. وتتشظى هذه العقدة من جهة الكردي (الثوري) من خلال عقد نفسية عميقة يحملها الكردي المقهور طوال عمره بين جوانحه، أهمها وأولها ربما تكون العقدة الدونية. وهي بحاجة الى وقفة خاصة.             

 ………………………..
نشرت هذه المقالة في جريدة كردستانى نوى الصادرة بالكردية في السليمانية  11.02.2014

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…