محاولات في فهم الثورة المضادة كورديا (محاولة ثانية)

فرمان صالح بونجق

إن إحدى أهم الخطوط الفاصلة بين الثورة والثورة المضادة ، والتي لا تقبل الجدل ، هي معاداة الثورة ، والاعتداء عليها . ويأتي هذا الفعل بقصد النيل من الثورة بسبب التضاد الانتمائي والمصالحي إستراتيجياً ، ويرتكز فعل المعاداة هذا على أدوات ، يتم من خلالها إجهاض الفعل الثوري ، سواء من خلال تسفيه هذا الفعل ، أو تشويهه ، أو تدمير آلياته ، بغية السيطرة على المكتسبات المنجزة وتجييرها إلى غير موضعها .
وفي الحالة الكوردية ، ولدت ظاهرة التضاد مع الثورة بشكل سافر ، وارتكازاً على مفاهيم وشعارات ذات الثورة ، وآلياتها ، وتقنياتها ــ حتى التبس الأمر ــ كشكل من أشكال الاحتيال الثوري ، وكانت الغاية تمرير جزء أو حلقة من مشروع استراتيجي ، يجري العمل عليه منذ مطلع الثمانينات . بتوافقات وأدوات إقليمية ، وتتنافى في مطلق الأحوال مع مقدسات الأمة الكوردية ، ورغباتها ، وتطلعاتها التاريخية .
هذه القوة الكوردية لم تستطع إيجاد موطئ قدم بين الجماهير الرافعة للثورة ، وقد حاولت مرارا القفز إلى موقع قيادة الحراك الثوري ــ ولم تكن جادة في ذلك ــ  ولكن محاولاتها باءت بالفشل ، ويعود السبب إلى ضآلة القاعدة الجماهيرية لهذه القوة ، وعدم تمكنها من الانخراط في أعمال الثورة ، وذلك بسبب تبعية قرارها ومواقفها السياسية لصالح جهات لا تمت بصلة إلى المشروعين الوطني والقومي ، للكورد السوريين ، وقد تنافى هذا تنافيا مطلقا مع خط سير الإحداثيات الكوردية للثورة الذي حافظ على مبدأ التوازن بين البعدين الوطني (سورياً ) والقومي ( كوردياً ) .
لقد دأبت هذه القوة على استنساخ تجربة النظام القمعية ، ووطنتها في المناطق الكوردية ، فتعرضت الشرائح السياسية والمجتمعية للتآكل تحت ضرباتها المؤلمة ، والتي تمثلت بأعمال الخطف والاعتقال والاغتيال ، والإفقار والتجويع ، مما دفع الجماهير الكوردية إلى الخيارات الصعبة ، فإما الانضمام إلى القوة المضادة للثورة ، كحالة استسلام ، أو اقتحام حدود إحدى الدول المجاورة ، بالمعنى المجازي للمفردة ، والالتجاء إلى مخيمات الشقاء . واختارت الأغلبية الساحقة الخيار الثاني .
فيما بعد ، ظهر جلياً للعيان ، أن القوة المضادة للثورة ( كورديا ) ، أفقدت نفسها ماتبقى من ادعاءاتها بالانتماء إلى جسم الثورة ، ويوما بعد يوم ، وجدت نفسها مضطرة للاعتراف بحقيقة دورها في مساندة النظام القمعي لجهة تهميش دور الكورد في الثورة ، بل ذهبت هذه القوة إلى أبعد من ذلك  ، فشاركت في معارك النظام وعلى نحو سافر ، وقدمت العديد من الشباب الكوردي ضحايا على مذبح التحالف مع القوى المضادة للثورة .
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ، هو ذات السؤال الذي كان يُطرح على الدوام ، وفي كافة المناسبات التي كانت تتسم بالاستعصاء السياسي أو الثوري . وهو ما العمل ؟. هذا السؤال الكبير ، يحمل في خلفيته دلالات الإجابة لمعالجة هذا الاستعصاء التاريخي ، الذي ( أُقحمتْ ) فيه القوى الوطنية الكوردية الفاعلة نسبياً ، دون إرادتها ، والآن .. يتطلب منها البحث عن الإجابة على ذلك السؤال الكبير ، الذي لا يزال يبحث عن إجابة وبإلحاح .
في تقديري المتواضع ، أن لكل مرحلة خصائصها ، واستناداً إلى هذه الخصائص ، يمكننا استنباط الحلول المناسبة ، وقد آن الأوان للبحث بجدية في لجم فوران هذه القوة المعادية للثورة ، وإعادة خلق حالة جديدة من التوازن ضمن المجتمع الكوردي ، الذي بدوره سيفرض انعكاساته إيجابية على المناطق الأخرى . ولن يتم ما تقدم إلا بإزاحة وكنس كافة مخلفات العقلية الشوفينية المتحالفة مع القوى الرجعية المضادة لحركة التاريخ . وذلك بالتأسيس على مشروع سياسي يوظف لصالح المشروع الثوري الذي يفضي إلى إعادة ترتيب الأوراق الكوردية ، ضمن المعادلة الإقليمية والدولية . مع الإشارة إلى أن كافة التحليلات المستهلكة هي التي أوصلت الكورد إلى هذا المأزق ، وينبغي لهذه التحليلات أن تذهب أدراج الرياح ، غير مأسوف عليها ، وعلى المروجين لها . والمستفيدين من تسويقها .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…