كلمتا وليد المعلم وأحمد الجربا

د. محمود عباس

 رغم النسق الروتيني للكلام الممل والمستنسخ من المتداول في خطابات رؤساء السلطات الشمولية، والمكتنف عادة بالضبابية والتلفيق، بإمكان المستمع استنتاج الكثير، من خلال البحث فيما وراء ركام الكلمة. مثلما أحتوى خطاب وليد المعلم وزير خارجية بشار الأسد ورئيس وفده إلى مؤتمر جنيف 2، على العديد من المعاني لطولها وحشوها بالصفحات الغارقة في الاتهامات الموجهة لمعظم الوفود الحاضرة، ولا شك المعلم قصد التطويل والتكرار في مواضيع تبثها أعلام السلطة منذ بداية الثورة، للتغطية على ما هو متفق عليه بين الدول الكبرى، لذلك قاطعه رئيس هيئة الأمم بان كين مون، مبيناً أن الكلام والاتهامات يعلمها الكل بكل أبعادها ويمكن تجاوزهما، ومن خلال المقاطعة وما وراء الكلمة وإصرار وفد السلطة على  إتمام الصفحات من الممكن أن نستنتج التالي:

1-   تتبين على أن السلطة السورية بلغت نهاياتها وتعيش بأسناد مباشر من إيران عسكريا واقتصاديا ومن روسيا دبلوماسياً، والشكر العميق لهما في كلمته تعكس هذه بوضوح.
2-    زوال السلطة أصبحت مؤكدة وستكون بالأسلوب العسكري وليس السلمي حتى ولو غطيت بالمؤتمرات، وذلك من خلال توجيهه الكلام الجارح لوزير أمريكا بشكل مباشر وفي حضوره، فبشار زائل لا محال.
3-   قد تستمر جلسات مؤتمر جنيف لكن لن تكون أفضل من شراسة المعارك التي تجري على الأرض، ولن تؤدي إلى نتائج إيجابية، وهذه بسبب شعور السلطة بقرب نهايتها، والتشديد من قبل وفد السلطة بحث غير مباشر لنقلة مناسبة لذاتها.
4-    أعاد وليد المعلم إلى أذهان الشعب السوري أسلوب الخطابات الطويلة الجوفاء، وسوف لن يرضى أن يستمع الشعب إلى مثلها ثانية، والمنبثقة من الثقافة الدوغماتية، والتي تبث كلمات وتعني آخر.
5-   التركيز التام على مسألة الإرهاب وحدها، دلالة على ضعف موقع السلطة من جميع القضايا الأخرى في الوطن، وبضمنها القضية الكردية.
6-   بين الوزير عن رعونة أخلاقيات السلطة السورية والتربية التي تربوا عليها تابعيه، ودونية التعامل مع الأخرين حتى في الدبلوماسية لم تخلى من هذا الشذوذ الثقافي، فالتذكير بطول كلمة رئيس هيئة الأمم، دلالة واضحة على دونية الأخلاق الدبلوماسية، وتشبعهم بثقافة الأنا الإلهية، إن لم تكن من رئيس السلطة فلا حرج من تبنيها نيابة عنه أحد أتباعه.

 

وبالمقابل ألتزم أحمد الجربا رئيس وفد المعارضة السورية في كلمته بالوقت المسموح له، ربما لم يعكس ما كان يطلبه الشعب السوري، لكن الاختصار لم يلغي التحديد في القول، وهي محاكمة بشار الأسد ومعه الذين تلطخت أياديهم بدم الشعب السوري، وهي غاية الثورة حاضراً، أي تغيير السلطة وزوال بشار وجماعته كبداية، ولعمومية الخطاب لم يأتي على ذكر متطلبات كل النسيج السوري بالتحديد، ومنها القضية الكردية ومتطلباته من المؤتمر، ولا توجد هنا ناقصة لأن الخطاب لم يخرج من العموميات، وتذكيره بعض أسماء مسيرات الجمع دون ذكره لجمعة آزادي على سبيل المثال يثير لدينا ولا شك بعض المخاوف، على اعتبار أن القضية الكردية هي مسالة داخلية ستبحث بعد زوال السلطة، وتأكيداً على هذه التوقعات  التصريحات التي  أدلى بها كل من روبرت فورد  السفير الأمريكي السابق ولافروف وزير خارجية روسيا،  ولا يستبعد أن يكون التعتيم مقصوداً من قبل الذين كتبوا الكلمة، أو كان قد فرض من قبل القوى المحضرة للمؤتمر، بعدم طرح القضايا الداخلية في سوريا والتي  ستدرج ضمن قضايا سوريا القادمة على محفل دولي لإخراجها من  التداولات الدولية الحاضرة في جنيف 2، لكن مع ذلك عدم التحدث فيها في الافتتاحية لا تمنع الوفد الكردي في المحادثات التالية عرضها والبحث فيها، ونأمل أن لا يتهاون الوفد في ذلك.
الخطابين أظهرا أن جنيف لن تضع الخاتمة لهذا الصراع المدمر، وبشار الأسد وبقائه عقدة القضية، والطرفين حضرا مع الرفض والتأكيد، وعليه فأن الحل العسكري لا يزال راجحا.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…