كيف تعاملت تركيا مع الأزمة السورية؟!

 سلمان بارودو

إن الأزمة السورية كشفت الكثير من نقاط الضعف في تركيا، التي اعتمدت عليها أمريكا ودول الغرب وذلك من أجل دعم المعارضة السورية، ومساعدتها لإسقاط النظام في سوريا، وإعطائها الضوء الأخضر لتسهيل مد المعارضة بكل العناصر البشرية واللوجستية، وبهذا الشكل أصبحت تركيا كحاضنة للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، ومخزناً للسلاح، وبنك المال الخليجي المتدفق إليها، ومركز إيواء الجماعات الإسلامية والجهادية المتطرفة القادمين من جميع أصقاع المعمورة، ولم يخطر ببال الغرب بأن الأجواء التركية مليئة بالمخاطر السياسية الموقوتة، مع العلم بأن كبار السياسيين الاستراتيجيين الأتراك تنبهوا على احتمالات تطور وإطالة الأزمة السورية،
بعدما شاهدوا صمود النظام السوري في دحر المعارضة المسلحة، كون تركيا كانت ترى في إسقاط النظام السوري عدة مكاسب منها سياسية عبر مساعدة ودعم الإخوان المسلمين مما يزيد نفوذها السياسي في المنطقة، ومكاسب اقتصادية أي يتم وضع يدها على الاقتصاد السوري لكي تكون معبر وبوابة لبضائعها إلى المنطقة، فضلاً عن قيامها للعب في تصدير الغاز إلى الدول الأوربية وغيرها.
لكن المخاطر التي واجهت تركيا بالدرجة الأولى هي أن يتمتع الأكراد في سوريا بنوع من الحكم الذاتي كما حصل في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، ونجاح النظام السوري في إدارة الأزمة، والنزاع الدائر بينها وبين حزب العمال الكردستاني في تركيا، وهذه الأمور جميعها سوف تؤثر على أمن تركيا وسلامة أراضيها – طبعاً هذا من وجهة نظر كبار ساسة الأتراك -، لذلك ترى تركيا بأن المسألة الكردية هي المحور الرئيسي لسياستها الخارجية والداخلية بالنسبة للتعامل مع الأزمة السورية، فتركيا التي كانت دائماً تعطي الأولوية للمحافظة على النهوض باقتصادها ومسار عملية التنمية فيها، لا تريد إدخال نفسها في معركة خاسرة تؤثر على اقتصادها وزعزعة أمنها، وهي عرفت أيضاً ومن خلال تجربتها الطويلة واجتياحها لجزيرة قبرص عام 1974، وعملياتها العسكرية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني، لم تحصد شيئاً سوى الفشل العسكري والاستياء الشعبي والانهيار الاقتصادي، لذلك دخلت تركيا في شراكة وإقامة علاقات مع إقليم كردستان العراق، وخاصة في مجال إقامة مشاريع البنية التحتية، والعمل في ربط سكة حديد بين اسطنبول وأربيل، فضلاً عن عقود اتفاقات النفط، والخطوط الجوية بين الجانبين، بعدما كانت حذرة من إعلان دولة كردية، ورفضها لضم كركوك إلى إقليم كردستان العراق، لقناعتها بأن مثل هذا الضم سوف يمهد الطريق لإعلان دولة كردية، إلا أن الساسة الكرد في الإقليم تعاملت مع هكذا وضع بحكمة وعقلانية، حيث طمأنت بغداد ودول الجوار العراقي بأنهم حريصون على توطيد العلاقة واحترام إرادة شعوبهم، إلى جانب مساهمة الإدارة الأمريكية في مساندة وحماية الإقليم من أي تدخلات خارجية، هذه الرسالة فهمتها تركيا جيداً، كما أن الإقليم رأت في العلاقة مع تركيا مدخلاً إلى تعزيز العلاقة مع الغرب وأمريكا، لذلك عملت تركيا وفق سياستها البراغماتية ومن دون تردد إلى إقامة أفضل العلاقات مع بغداد وأربيل، وخاصة من ناحية منع مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من المناطق الحدودية المشتركة معقلا لهم، ونقطة انطلاق لشن الهجمات العسكرية على الجيش التركي، وصولاً إلى إيجاد حل سلمي للقضية الكردية لديها. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…