الخـيار العسـكري والعـنف هو البــلاء الأعـظم

افتتاحية الوحـدة *

إذا كانت ثقافة المجتمع وتراثه الفكري والاجتماعي يشكل الأساس في إنتاج أشكال السياسة ونُظم الحكم أي البنية الفوقية ، إلا أن دور النخب السياسية والقوى الخارجية يبقى محورياً في تحديد مسارات ومآلات حياته بمختلف تشعباتها . ففي سوريا وبعد التحرر من الاستعمار الخارجي وانتشار ثقافة وطنية جامعة والتي تجلت – إلى قدرٍ ما – في ممارسة السياسة وشكل الحكم ولو لفترات قصيرة ، لم تصمد أمام تأثيرات الفكر الأيديولوجي الشمولي المدعوم خارجياً – على ضوء سياسات المصالح ومناطق النفوذ – بمختلف تياراته التي بدأت تتصارع فيما بينها بشكل محموم ، ولم يخلو الصراع من اللجوء إلى العنف ومحاولة تصفية والسعي وراء إلغاء الآخـر. على تلك الأرضية العصبية الأيديولوجية انتعشت أفكار متخلفة ومصالح شخصية وفئوية ضيقة ، وأصبح الوصول إلى السلطة هدفاً أساسياً لدى تلك التيارات ، تحت غطاء شعارات براقة ،

 

 مما ضيّقَ الفرصة أمام الثقافة والسياسة الوطنية الديمقراطية من الانتشار ، والتي تنفست الصعداء وخرجت إلى العلن بدايات القرن الواحـد والعشرين ، لكنها جوبهت مرّةً أخرى بالقمع والملاحقة السلطوية والمنهج الأمني – الخيار الرئيس لنظام الحكم الاستبدادي الذي لم يتوانى عن فعل أي شيء في سبيل بقائه والحفاظ على امتيازاته .

كما أن دور حاملي الثقافة الوطنية الديمقراطية الذين بدؤوا بحركة احتجاجية جماهيرية تطالب بتغيير سلمي في البلاد ضَعُفَ يوماً بعد آخـر مع اشتداد وتيرة العنف ووقوع نتائجه الكارثية الشنيعة وتلقي الجانب القيمي في الثورة ضربات موجعة ، وبرزت عصبيات ما قبل وطنية وأفكار متخلفة ومناحرات مؤسفة لا ترى حجم وعمق المأساة التي يعيشها الشعب السوري ، وقد لعب المال السياسي أيضاً دوراً مؤججاً لمختلف أشكال الصراع وتلك الأفكار .

كل ذي بصيرة يرى أن الــبلاء الأعـظم الذي وقع على سوريا هو الخيار العسكري والعنف والعنف المضاد ، وهو الذي يحرق ويضرّ بالجميع وما من أحدٍ بمنأى عنه ، وهو الذي خرَّب البلد ويستمر في تدميره ، لاغالب فيه ولا مغلوب ، وإن لم تكن هذه الرؤية قناعةً لدى جميع الأطراف فلن نصل إلى حلٍ سياسي لأزمة سوريا يحقن الدماء أولاً ، وهنا يتوجب على النخب السورية أن تحتكم إلى العقل والمنطق وتأخذ بالاعتبار معاناة ومآسي الشعب بكل أطيافه وما مدى قدرتها على التحمل إلى أمدٍ آخر ، كما على القوى الخارجية أن تكف عن التعامل مع الشأن السوري وفق مصالحها وأجنداتها الخاصة ،… فـكفى للسوريين ذلاً وخذلانا .
إن المجتمع السوري بكافة مكوناته وشرائحه ، مطالب اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى ، أن ينبذ العنف والعصبيات ويلجأ إلى الثقافة الوطنية الديمقراطية ، ويضغط على النخب ويجبرها على التحلي بروح المسؤولية لتتجه نحو حلٍ سياسي في البلاد يحمي الجميع ويصون حقوقهم عبر بناء دولةٍ ديمقراطية تعددية برلمانية لامركزية .

* جريدة الوحـدة – العدد / 245 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…