«بى يى دى» ليس حزباً كردياً ويريد بناء نظام شمولي/ بعثي في كوردستان

   إبراهيم كوجلو – ناشط كردستاني بارز – ديار بكر (آمد)
 (ibrahimguclu21@gmail.com)
الترجمة عن الكردية: جان كورد

كما هو معلوم فإنه بتأثير الثورات الشعبية في البلدان العربية، وبخاصة في مصر وتونس وليبيا، فقد تغيرت الأنظمة، وهذا التغيير قد أثر في البلدان العربية الأخرى ومنها سوريا، حيث شرع الشعب فيها أيضاً بالفعاليات والتظاهرات المدنية السلمية. بدأت هذه الحركة في درعا القريبة من الحدود الأردنية. وفي البداية قامت المعارضة بأسلوب ديموقراطي سلمي بالتظاهرات. 

بعد فترةٍ من الزمن، حيث شرع نظام البعث في الظلم والاضطهاد العسكري، فقتل المتظاهرين، بدأت المعارضة بالانخراط في القتال المسلح، وبخاصة بعد أن انشق العساكر عن نظام البعث، ونظموا أنفسهم كقوة عسكرية، سموا أنفسهم ب”الجيش السوري الحر”.
إلا أن المعارضة المسلحة لم تتوقف عند ذاك. فقد بدأ الإخوان المسلمون أيضاً بالقتال المسلح، ويوماً بعد يوم تعاظمت المعارضة المسلحة، واكتسبت لوناً آخر. حيث انخرط في الحركة المسلحة للمعارضة السورية العديد من المنظمات الإرهابية أيضاً. 
لم تطالب المعارضة العربية في البداية بتغيير واسقاط النظام، ولكنها طالبت بالإصلاحات من نظام بشار الأسد، وبدستورٍ جديد، وبأن يصبح النظام البرلماني حقيقياً، وتتألف أحزاب من خارج حزب البعث، وتجرى انتخابات ديموقراطية، وتصان الحقوق الشخصية والحريات. 
بعد هذا أيضاً، شرع النظام المستبد الفاشي الاستعماري بالقتل العام، فقصف المدن، وقتل كل يومٍ بالعشرات. حتى الآن بلغ عدد القتلى أكثر من 100.000 إنسان. وتشرد أكثر من مليوني إنسان   ديارهم، إلى تركيا، إلى الأردن، إلى العراق، وإلى جنوب كوردستان وكذلك على الدول الأخرى. 
 
مواقف قوى العالم والمنطقة:
أنتج الوضع السوري، مختلفاً عن الأوضاع في مصر، تونس وليبيا موقفاً آخر في العالم. فاتخذ العالم منحى آخر في النظر إلى ما يجري حقيقةً في سوريا، وأصبحت سورياً أنموذجاً يعكس واقعية التمزق العالم. فروسيا والصين وقفتا مع نظام بشار الأسد حتى لايتغير ولايزول، ودعمت روسيا على وجه الخصوص النظام السوري المعادي للشعوب، لان لسوريا علاقات قديمة معها منذ عهد الاتحاد السوفييتي، ولم تنقطع علاقاتهما بعد انهيار النظام الاشتراكي أيضاً، حيث ظلت روسيا صاحبة قاعدة عسكرية.
    أمريكا والاتحاد الأوروبي، وإن لم يكن منذ البداية، فقد قررا بعد فترة أن يتغير النظام السوري ويترك بشار الأسد الحكم في سوريا، ولكنهما لم يقوما بفعالية من أجل ذلك كما فعلا في مصر وبخاصة في ليبيا من قبل، لم يدعما المعارضة السورية، لانهما لم يعرفا مساعدة أي قوةٍ منها للوصول إلى الحكم. ولكن الآن ثمة تحول في موقفي فرنسا وانجلترا، أما في موقف أمريكا فليس هناك من تحول بعد، وهذا الموقف الأمريكي يؤدي إلى مزيد من الخطورة في سوريا، والمعارضة تزداد بسببه سواداً وظلامية. كما يؤدي إلى مزيدٍ من الانشطار والانقسام الكبير في المنطقة. فالسعودية وقطر يدعمان المعارضة، وطردت الجامعة العربية النظام السوري من عضويتها، وتركيا دعمت وتدعم المعارضة السورية بقوة.  
في البداية لم تطالب الدول العربية المؤيدة للمعارضة، وكذلك تركيا أيضاً، باسقاط أو تغيير النظام، إلا أنها طالبت بعد ذلك بتغيير نظام البعث، وفي هذه المرحلة لم يتغير موقف هذه الدول في ذلك.
وقفت الحكومة الفيدرالية لجنوب كوردستان أيضاً منذ البداية مع المعارضة لتغيي السورية، وبخاصة مع المعارضة الكردية، وأوضحت موقفها المؤيد لتغيير نظام بشار الأسد والبعث. 
رأت إيران أن تغيير النظام واسقاطه خطير جداً بالنسبة إليها، واعتبرت سقوط النظام في سوريا هزيمة للشيعة، ووجدت في ذلك خطراً داخلياً عليها وبدايةً أمام التدخل العالمي فيها، لذا فقد دعمت النظام السوري من مختلف النواحي المالية والعسكرية: في هذه المرحلة أيضاً يدوم الدعم الإيراني للنظام السوري. ودعمت حكومة المالكي الفيدرالية في العراق النظام السوري بقوة، ولايزال دعمها له متواصلاً الآن أيضاً.
إن حزب الله في لبنان وحزب العمال الكوردستانى أيضاً من قوى المنطقة التي تدعم نظام الأسد. ويمكن تفهم موقف حزب الله لأنه شيعي، ولكن رغم أن حزب العمال الكوردستاني تنظيم كردي إلا أنه يقاتل منذ سنوات لأجل سوريا وإيران، ويساعد النظام الشمولي والبعثي، ولكن يبو أن هناك تغيراً في موقف حزب العمال الكوردستاني، إنه في حركة ثنائية، فمن جهة يديم علاقاته مع النظام، ومن جهة يريد إقامة علاقاتٍ مع المعارضة، بعد أن ابتعد أوجلان عن الأرغنكون وصار من أزلام الحكومة. 
 
موقف المعارضة القومية الكردية:
  طالبت المعارضة القومية الكردية منذ البداية بتغيير نظام البعث، وأصبحت – ولو لم يكن بشكل تام
– داعمة للمعارضة العربية. لكن من أجل أن لاتصبح المعارضة الكردية متطرفةً حيال النظام ولكي لاتتحد مع المعارضة العربية السنية، فإنه أعاد الجنسية المسلوبة لبعض الكورد، وجعلهم مواطنين. إلا أن هذا لم يغير من موقف الكورد، فناضلوا كعهدهم دائماً من أجل تغيير النظام، ولكنهم مارسوا نضالهم ذاك بأسلوبٍ سلمي وديموقراطي.
 ولكن، من أجل اسقاط النظام السوري، ثمة قوتين أساسيتين في سوريا، القوة الأولى هم العرب، وبخاصة قوة العرب السنة، والقوة الثانية هي قوة الكورد. وظل الكورد منذ عام 1957 في المعارضة، وأصحاب تنظيمات سرية غير مرخصة، وهذه المعارضة كانت قومية وكانت في الوقت ذاته ديموقرطية.
وعلى الرغم من أن التنظيمات الكردية لم تكن في البداية متفقة ومتحدة فيما بينها، إلا أنها قامت بعد ذلك بعقد مؤتمر قومي وبناء وحدتها، وتم تسمية هذه الوحدة ب”المجلس الوطني الكردي في سوريا”، وكذلك رغم عدم اتفاقها في البداية على شكل الوضع الإداري في كوردستان، إلا أنها تم الإقرار بضرورة أن تصبح سوريا دولة فيدرالية وديموقراطية، تتمتع فيها كوردستان أيضاً بالفيدرالية. إلا أن المعارضة العربية منذ البداية وإلى الآن لاتقبل بحق الكورد في أي إدارة لأنفسهم، ولايقبلون لأن يكون لكوردستان وضع إداري ذاتي، لذا فإن المعارضة الديموقراطية الكردية لم تتحالف مع المعارضة العربية بعد.
بى يى دى ليس حزباً كردياً ويريد بناء نظام شمولي / بعثي:
تأسس حزب الكورد وكوردستان في جنوب غرب كوردستان في عام 1957م، وهذا الحزب ذي تراثٍ عريق، حيث يمكن اعتباره امتداداً لحزب (خويبون)، وحزب خويبون هذا قد تأسس في عام 1927م، وكان كوردستانياً ودعم الثورة القومية التي اندلعت في آغري. ولذا فإنه عندما تأسس حزب الكورد في جنوب غربي كوردستان، فقد حمل هوية وطننا “كوردستان” وكان اسمه “الحزب    الديموقراطي الكوردستاني – سوريا”.  
بعد ذلك تغير اسم الحزب لأسباب متعلقة بالظروف المتطورة فأصبح اسمه “الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا”. إزداد الحزب قوةً بين الشعب في وقتٍ قصير، واكتسب سمةً كتلوية وجماهيرية، والتف حوله رجالات كوردستان وكل الوطنيين من مختلف الطبقات. وأصبح الكردايتي سمةً اجتماعية وتاريخية في سوريا. ولكن تعرضت حركة الكردية في السنوات الأخيرة إلى التقزيم والانشطار وقلة الاعتبار بسبب سياسةٍ جديدة للدولة.  وحققت الدولة ذلك بأيادي حزب العمال الكردستاني.  فقد عادى هذا الحزب تنظيمات جنوب غرب كوردستان وأقل من شأنها وجند الآلاف من شباب الكرد في صفوفه بتشويقٍ من قبل الحكومة وتسبب بقتلهم.
 
بى يى دى، ليس حزباً كردياً عريقاً وليس له تراث:
لم يتأسس حزب بى يى دي على أساس الارتباط بالديناميكيات الاجتماعية والسياسية الكردية. و بى يى دى ليس له تاريخ، فقد تأسس في السنوات الأخيرة، وبأيادي حزب العمال الكردستاني في سوريا. وثمة دليلين مكشوفين على ما نقول. الدليل الأول: هذا الحزب يدعى “حزب الاتحاد الديموقراطي”،  فليس في اسمه ما يشير إلى “الكرد” و”كوردستان”، وهذا ما تم وضعه عن معرفة، ليصبح النظام السوري راضياً عنه (ممنوناً). والدليل الثاني هو أن ال”بى يى دى” لم يتأسس من قبل الكوادر المجربة الذين لهم دور اجتماعي ريادي وثمين، وإنما تأسس من قبل أشخاصٍ من خارج الإطار الاجتماعي الخلاق.  إن بى يى دى مؤسس بدعمٍ من قبل المخابرات السورية، حيث أنه منذ تأسيسه يحاول بى يى دى فرض الظلم والاضطهاد على الشعب الكردي، ويقف في وجه المعارضة للنظام.  وعندما بدأت الثورة في سوريا فإنه دعم النظام ضدها، فلم يطلب في يومٍ من الأيام السقوط لنظام البعث وبشار الأسد.
وفي هذه الأيام الأخيرة أيضاً، أعلن مسؤول بى يى دى بأنهم لايريدون تغيير النظام وبشار الأسد بوجه خاص. ولذا فإنهم يقفون في وجه المعارضة القومية والديموقراطية الكردية وأصبحوا عائقاً أمام تحالفها مع المعارضة العربية.
 
عندما قويت شوكة المعارضة الكردية في كوردستان والمعارضة العربية في المناطق العربية، قام النظام السوري بوضع استراتيجية جديدة تمثلت بتسليح بى يى دى وبتسليم قسمٍ من المناطق الكردية  لهذا الحزب.
    
 بعد فترةٍ من الزمن، انعقد اجتماع توحيدي في هولير (أربيل) بجهود ورعاية رئيس كوردستان مسعود  بارزاني ونجمت عن ذلك “اتفاقية هولير”، فحقق بى يى دى لنفسه إيجاد ميدانٍ جديد له رغم ولائه للنظام، وزاد بى يى دى باستمرار من عدد مسلحيه، وأدام الظلم والاستبداد وفرض الخراج على الشعب، فأسس لحكمدارية غير ديموقراطية وغير إنسانية، وهذا الخطر لايزال جاثماً في هذه المرحلة أيضاً. وقام بى يى دى باختطاف رئيس الكورد مشعل التمو وكثيرين سواه من كوادر الأحزاب وقتلهم. 
طيأوصل العلاقة بينه وبين حكومة كوردستان إلى مرحلة النزاع، والخطر لايزال مستديماً.
 
بى يى دى في كل الأحوال ليس حزباً ديموقراطياً أيضاً:
وليس له برنامج خاص أيضاً، فهو يقبل برنامج حزب العمال الكردستاني، وحسب هذا البرنامج فإنه يدافع عن نظام حزب واحد، آيديولوجية واحدة، ورئيس واحد. واسم هذا النظام هو نظام البعث، الكمالي، الشمولي. وحيث أن بى يى دى يريد إقامة نظامٍ شمولي، غير ديموقراطي واستبدادي في غرب كوردستان، فيجب على الشعب الكردي رؤية هذا الخطر المحدق. وحسب هذا الوضع يجب عليه تحديد موقفه تجاهه. وبخاصة تقع مسؤولية هذه المسألة على أكتاف المثقفين والسياسيين الكرد، ووظيفتهم في ذلك كبيرة.
 آمد (ديار بكر) في 26/ 5/ 2013

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…