المقامة العصفورية

غسان جانكير 

حدثنا العطال البطال قال : كنتُ أسمع – لا مُبالياً – الناس تقول : ” ما تخشى الوقوع فيه، سيدركك إذا أطلتَ التفكير فيه ” . 

لمّا طالت محنتنا في تحكّم (بشاركو) الأبله بنا، و ازدادت براميله المُتفجرة يرميها علينا، و أمعنّ في حصارنا جوعاً كي نخرّ له ساجدينا، و انعدمت اسباب الحياة ، مُهَدَدين بنزواته في الحياة أو الممات، و بعد أخذه بنصيحة الماكرين الدهاة، بدفع الثورة السورية، الطاهرة و السلمية، الى العسكرة و المجازر الجماعية، وتحويلها الى حرب طائفية، تُسعِّرُ أوارها الاستخبارات الدولية، و حتى الدول المُتغنية بحماية القيم الانسانية، لم نلق منها سوى الجفاء الفاحش، بأن تركتنا رهينة بين الاسد و داعش .
 فارقنا الوطن بقلبٍ مكسور، فاقدين الحيلة في التغلب على الشرور، و انتشرنا في جهات الأرض اغتراباً، سرياناً و أكراداً و أعراباً، سالكين طُرقٍ خَطِرة و وعِرة، نستجدي الرحمة من المُرابين و السماسرة، فدفعنا لهم (تحويشة العُمر) في العاجل، كي نربح الطمأنينة في الآجل، و توزّعنا على البلدان حسب ما في الجيب من نقود، لا حسب الأعراف الدولية و العهود، فرمت الأقدار ببعضنا الى بلاد الغرب، تاركين الأهل و الرفقة في أتون الحرب، مُعللين النفس في التفاني بخدمتهم، بإرسال (اليوروات) كي نُخفف عنهم الغلاء، فلا يقنطوا من الأمل و الرجاء، فواظبنا البحث عن العمل، حتى لو كان لساعات طِوال و دون عِطَل، و رجونا من أصحاب الأعمال، أنّ يفسحوا لنا المجال، و ينظروا بطرفِهم رقّة علينا، فيردون : الأمر ليس بأيدينا، لا يحقّ لكم العمل دون الحصول على الإقامة، و لن تشفع لكم ظروفكم حتى و إن تشابهت مع يوم القيامة، فأخذت الضغوط النفسية تفعل فينا المفاعيل، فما وجدنا سوى التطبب نفسياً بديل، و اقترحت على رفيقي أبو مُخطة، حلاً للخروج من هذه الورطة،  بأخذ نقاهة في (العصفورية) ، فنتخلص من كآبة طول ليالي الشتوية، علّنا نستمد مِن المجانين جَلَداً و صمودا، و نتذكّر نهفات عباقرة ( عامودا ) . 

و بينا نهُمّ الدخول للعصفورية بخشوعٍ و ورع، طَرَقت آذاننا كلمات فيها سجع، فالتفتنا صوب الصوت المألوف، و إذ ب ( بعثيكو قربانو ) حولنا يطوف، يُقلِّدُ الفراشة في الطيران، و يُغنّي بصوت العاشق الولهان، و يقول : أنا الفراشة الجميلة … أطيرُ مِن خميلة لخميلة . 
قلتُ له : الويل لك .. لا أبا لك ، حتى الى العصفورية تُسابقنا، كدأبك أينما حَلِلنا تسبقنا ! . 
قال : رفيقاي.. رفقاً بيّ في بلواي، قد نلتُ الكثير من الضغط النفسي، إضافة لمعاناتي من الكبت الجنسي، فأردت (تطبيق) فتاة نمساوية، باستخدام اسلوب أمين الفرقة الحزبية، بأن شبّهت الفتاة بالفراشة الباهرة، فلطمتني كفاً، و قالت : أتقصدُ أني عاهرة !.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…