نهاية مجلس

سليم عمر

مع أنه سمى نفسه بـ (المجلس الوطني الكوردي) إلا أنه ظل مجلساً للمجموعات الحزبية بامتياز .

لم ينخرط في صفوف الجماهير الكوردية لتوحيدها ، و لجمع كلمتها لمواجهة المرحلة ، و لم يتصل بقضايا هذه الجماهير ، و لا بهمومها بصلة ، و لم يخالط حياتها اليومية ، ليعبر عن آمالها ، و ليعايش مصاعبها و مآسيها.

صحيح أن هذه المجموعات الحزبية ، حاولت التقرب من الجماهير في بداية تحركها ،  و أوهمت الشارع الكوردي بإشراكه في القرار ، تحت ضغط الأحداث ، و خطورة المرحلة ، فقامت بتطعيم المجلس  بعناصر على أنها مستقلة ، و هي لم تكن كذلك
فقد كانت محسوبة على هذا التنظيم أو ذاك ، إما بصلات القربى ، أو بالموالاة ، فحرمت المجلس من بعده الجماهيري ، و من التفاعل مع هذه الجماهير ، و تعبئتها ، و من الاعتماد على دعمها ، و من استمداد العون و المساندة منها ، و تركته أسير الخلافات المتأصلة بين أطرافه الحزبية ، و رهينة لنوازع هذه الأطراف ، و استماتتها في الحفاظ على مواقعها ، و التحكم بالقرار الكوردي في غربي كوردستان ، فلم تكلف نفسها مشقة الرجوع إلى الحراك الشعبي ، لاستمزاج رأيه ، و التعبير عن طموحاته ، و التحرك وفق المصلحة القومية ، و إشراك هذا الحراك في تحريك الداخل ، و في  وفود الخارج ، و في اتخاذ القرار ، و عادت هذه المجموعات الحزبية إلى سلوكياتها التي ترسخت لديها منذ عقود ، فانفصلت عن الواقع مجددا ، و تقوقعت في ثقافتها الحزبية المتحجرة ،   و لم تعط الأهمية اللازمة للمتغيرات على الساحة السياسية الكوردية ، و لا للزخم الثوري الذي اجتاح الشارع الكوردي ، و لا  للحراك الشعبي الذي بدأ يتوسع مع اتساع الثورة و استمرارها ، و الذي برز تحت يافطات مختلفة ، كان للشباب النصيب الأكبر في بروزها ، فأدارت ظهرها لهذا الحراك الجماهيري ، بل عملت على تهميشه و محاصرته ، و تحجيمه ، و تقويضه ، خشية منها على منافسة هذا الحراك لمواقعها ، و لنفوذها ، و استغنت عن دعم الجماهير ، و مساندتها ، و استعاضت عن ذلك بالعلاقات الكوردستانية ، و بما وفرته لها قيادة الإقليم على وجه الخصوص  من دعم مادي ، و من تسهيلات للتحرك في الساحة السياسسية الاقليمية و الدولية ، ومع ذلك فإن المجلس العتيد لم يستثمر هذا الدعم ، و لم يعمل على الارتقاء بأدائه ، وبما يتناسب مع حجم الأحداث ، و تلاحقها ، فبقي أسير الخلافات التي استفحلت بين المنضوين  تحت لوائه ، لا بل إن هذه المجموعات الحزبية لم تتمكن من لجم انقساماتها ، و تباين مواقفها ، و توجهاتها ، و ارتباطاتها ، حتى في هذه الظروف الصعبة و الحساسة ، و مثلما خسر ثقة الشارع الكوردي ، و دعمه من قبلُ ، فإنه لم يستطع المحافظة على الدعم السخي للإقليم الكوردي ، الذي يبدو أنه نفض يديه من مجريات الوضع في غربي كوردستان باستثناء أمرين اثنين : مساعدة اللاجئين بكل السبل و الامكانيات ، و التدخل المباشر إذا تعرض الكورد في هذا الجزء إلى حرب إبادة .
لقد فشل مجلسنا في أداء الدور الذي أوكله إلى نفسه ، بتهاونه ، و بتقاعسه ، و بسبب الخلافات استحكمت بين أطرافه ، و النزعات الفردية و الحزبية التي طبعت أداءه ، ففَقد العوامل التي أخرجته إلى النور .
في البداية تحركت هذه المجموعات الحزبية ، و اجتمعت إلى بعضها بفعل جسامة الحدث ، و تحت ضغط الشارع الكوردي ، و فيما بعدُ جمعتها فنادق هولير ، و هبات رئاسة الاقليم ، أما الآن فلا يجمعها غير خيط واهن و ضعيف قد يتمزق في أية لحظة ، و أعني ارتباط المجلس بالمعارضة السورية في الخارج ، و عندما ينتفي هذا العامل أيضا ، فإن أطرافه سيعودون إلى حالة الفرقة التي دأبوا عليها ، و سيكتبون نهاية مجلسهم بأيديهم .


salimbahoz@hotmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…