الأستاذ محمد نذير مصطفى في الذكرى الخامسة لرحيله

حسين جلبي
 
من النعم التي أنعم بها الله علي هي أنني أرى كثيراً في أحلامي الأشخاص الذين فقدتهم و كانت لهُم معزة خاصة عندي لدرجة لا أشعر معها أحياناً بغيابهم.
قبل عدة أيام رأيتُ أستاذي المرحوم محمد نذير مصطفى في الحلم، كان الأستاذ نذير بمثابة الأب الروحي لي، تأثرتُ بشخصيته كثيراً و بأسلوبه في الكتابة و الحياة و قد خلف رحيله صدمةً و فراغاً كبيراً في حياتي، مرةً طلب مني و من زميلين آخرين كانا يتدربان معي في مكتبه على مهنة المُحاماة أن نكتب مُذكرة في موضوع واحد، قال لي بعد أن قرأ ما كتبتهُ: (لو لم تقل بأنك أنت الذي كتب المذكرة و رأيتها بين أوراقي لظننتُ أنني انا الذي كتبتها)، شهادة أعتزُ بها طوال حياتي و قد عملتُ دوماً على ان أكون جديراً بها.
قبل ثلاثة ايام رايتُ الأستاذ نذير في الحُلم، كان مكتبهُ قد أنتقل الى بناءٍ آخر يبدو قيد الأنشاء، و هو البناء الذي كُنتُ أعمل فيه و أراهُ دائماً و كأن به اصلاحات، صعدتُ إليه و عندما دخلت الى الصالة الواسعة و كان الضوءُ فيها خافتاً، كما كان هناك بعض الجالسين أمام مكتبه يبدون كعائلة صغيرة، و كأنهُ كان ينتظر وصولي، إذ طلب مني عندما رآني كأساً من الماء، و عندما ذهبت و ملأت الكأس الكبير و عدت لأضعهُ أمامهُ على الطاولة لم أعُد أراه.
اليوم هي الذكرى الخامسة لرحيل الأستاذ المُحامي محمد نذير مُصطفى الأمين العام لحزب البارتي و الذي كان قد دفع سنين طويلة من عُمره ثمناً لمواقفه الوطنية و القومية و كان يمكنه بكل بساطة أن يربحها لو تنازل عن مبادئه في الأيام الأولى للإعتقال، و لكنهُ أبى إلا أن يكون مرفوع الراس ليفخر به كل الكُرد كواحدٍ من أبر أبنائهم.
كانت آخر مرة ألتقيتُ فيها أستاذي قبل سنتين من وفاته عندما كان في رحلة علاج في باريس، كان يُقيم في شقة متواضعة تعود لأحد رفاق البارتي و يتردد الى المشفى لمتابعة العلاج كلما كان ذلك ضرورياً رغم أن حكومة أقليم كُردستان كانت قد تكفلت بمصاريف علاجه و إقامته في المشفى، لكن عزة نفسهُ كانت تأبى أن يثقل كاهلها بنفقات علاجه.
رحمك الله أيها الغالي محمد نذير مُصطفى، لقد كُنت مُعلماً عظيماً حتى في أشد المواقف التي مررت بها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…