الكورد… اختلفوا مرة أخرى

سليم عمر

و في الحقيقة فإن الكورد لم يكونوا على وفاق في يوم من الأيام ، فقد كان الاختلاف السمة الغالبة على علاقاتهمببعضهم ، و كانت الفرقة تمزق باستمرار صفوفهم ، و كانت حركاتهم تنزف على الدوام من الداخل ، و قليلة هي تلك الفترات التي سادت فيها  المهادنة فيما بينهم ،و لإنْ حدثتْفلأمد لا يطول .

فقد كان الكورد مختلفين عندما كانوا منقسمين شِيَعا و قبائل ، و ظلوا مختلفين بعد أن تحولت قبائلهم إلى تنظيمات سياسية مطبوعة بطابع القبلية و مفاهيمها ، فالعصبية العائلية و القبلية لا تزال تشكل الركيزة الأساس في ثقافة الإنسان الكوردي ، و لا يزال الانحياز إلى المناطقية و التحزّب يتقدم على الانتماء القومي ، و لم تتمكن بعدُ االثقافة القومية من الهيمنة على المجتمع الكوردي ، لتتقدم المصلحة القومية العليا للكورد على المصالح الفردية و الحزبية ، و غيرها من المصالح الآنية الضيقة .
و إذا كنا قد تعودنا على ظاهرة الاختلاف تطفو إلى السطح في المجتمع الكوردي ، و فيما بعدُفي الساحة السياسية الكوردية بين الحين و الحين ، و تُحدث في كل مرة المزيد من الشرخ في الصف الكوردي ، إلا أن الأمر مختلف في هذه المرة ،مختلف في توقيته ، و مختلف في عمقه و اتساعه ، و مختلف في نتائجه الخطيرة ، و المؤثرةعلى مستقبل الكورد ، كل الكورد .
الساحة السياسية الكوردية، و منذ نهايات العقد السادس من القرن الماضي ، شهدت الكثير من الخلافات ، و في بعض الأحيان فإنها كانت تتحول إلى صراعات دامية ، و على الرغم مما كانت تتركه تلك الصراعات من آثار سلبية على واقع الحركة الكوردية و على  سمعتها ، و على المكاسب التي حققتها ، إلا أنها كانت على الأغلب محصورة في رقعة محدودة ، و في وسط جماهيري ضيق ، و لكن الخلاف في هذه المرة يأخذ طابعا جديدا، و هو يختلف ، و بشكل جذري عن كل ما سبقه من خلاف و اختلاف ، فهو يدور بين قطبين رئيسين في الحركة الكوردية ( ب د ك  ،  ب ك ك ) و لأن لكل من هذين القطبين امتدادات كوردستانية من الجماهير ، و من الحلفاء السياسيين، فإن الخلاف تجاوز الحدود الفاصلة بين الأجزاء الأربعة لكوردستان ، فقسم الساحة الكوردية سياسيا و جماهيريا إلى قسمين ، و الأخطر من كل ذلك أنه حدث في مرحلة مفصلية ، سيكون لها ما بعدها ، و ستترتب على نتائجها مستقبل الكورد .
فهو يأتي في وقت تتحرك فيه الأحداث في المنطقة كا لكثبان الرملية ، تأخذ في كل يوم شكلا جديدا من تطور الحدث و تنقّله ، و اصطفاف الفرقاء الضالعين فيه ، و ترسم في كل مرة أطرا جديدة من العلاقة بين هذه الأطراف ، و تجري بشكل مستمر المساومات بين الفرقاء الاقليميين و الدوليينو منذ ما يقرب من الأعوام التلاثة للاستئثار بالقدر الأكبر من الغنيمة ، و هو يأتي في وقت كنا نعتقد فيه أننا أصبحنا أقرب ما نكون فيه إلى انعقاد المؤتمر القومي الكوردي ، هذا الحدث الذي انتظرته الجماهير الكوردية طويلا ، و عندما اقتربنا من تحقيقه ،  اختلف الكورد مجددا ، و بدا أنه أصبح بعيد المنال ، و أن الآمال التي عقدناها عليه ، في أن يتمكن الكورد من بلورة استراجية موحدة ، و من العمل من أجل أهداف محددة ، و من الخروج أمام العالم بخطاب موحد ، بدا أن كل تلك الآمال قد تبعْثرتْ، و أصبح واضحا أيضا أن كلا من تركيا و إيران قد تمكنتا مجدداً من زرع الفرقة و الانقسام في الصف الكوردي ، و أن هاتين الدولتين الاستعماريتين ، تتمكنان في النهاية من تجاوز خلافاتهما – و مهما عظُمت تلك الخلافات -عندما يتعلق الأمر بالشأن الكوردي ، و بمستقبل الكورد .
و مع أنه لا يراودني أدنى شك في أن الاختلاف بين قطبي الحركة الكوردية لن يتطور في أي حال من الأحوال إلى صراع تحت أي مسمى ، و أن القيادات الكوردية تمتلك ما يكفي من الحكمة ، و التبصر للَجْم هذه الخلافات ، و الابقاء عليها تحت سقف محدود ، إلا أن مجرد بروزها في هذه المرحلة الدقيقة التي تسود المنطقة ، و المشاريع التي يتم حبكها لها ، يعقّد الموقف الكوردي ، و يضعفه ، و يحجب عنه أي دور كان من الممكن أن يؤديه في رسم المستقبل الكوردي ، و يعيده مجددا إلى متفرج ينتظر ما ستؤول إليه الأحداث ، و قد فرض عليه الآخرون مخططاتهم ، و رسموا له مرة أخرى مستقبلا مظلما .

salimbahoz@hotmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…