طاولة الفرصة الأخيرة

  عمار مرعي

ربّما لم تكن الطاولة خيارَ النظام، الذي بات في وضع مريح نسبيّاً..
ولا خيارَ معارضات الخارج المتقاتلة على الحصص، لأنّ انتهاء المسألة السوريّة سيغلق الحنفيّات التي عاشوا عليها طويلاً..
-ولا خيارَ دول الإقليم، التي تريد لسوريا فناءً، لا مجرّد دمار..
-ولا خيارَ بعض مقاتلي الداخل، الذين تحولوا إلى أمراء حرب، بكلّ ما يمنحهم ذلك من مغانم وسطوة محليّة..

-ولا خيارَ لصوص النفط، ولصوص البيوت، المتمسكين بوضعٍ لم يحلموا به قبلاً..
-ولا خيارَ التكفيريين، كونها تتعارض مع أجندتهم السوداء التي تتجاوز ولا تقف عند الحدود السوريّة.


وهي بالتالي ليست محصّلة إرادات المتقاتلين والناهبين..
لكنّها خيارُ الناس التي وحدها دفعت الثمن، وتجاوزت حدود احتمال ما تحوّل إلى عبثٍ لم يجلب سوى الخراب..
وهي أيضاً خيارُ كثيرٍ من المقاتلين الذين باتوا يبحثون عن مخرجٍ، بعد أن اكتشفوا أين زُجّ بهم، ومَن زجّ بهم، وتلاعب بهم، وأغلق أمامهم الأبواب..
وهي، ربّما قبل ذلك، خيارُ اللاجئين والنازحين، الذين قاسوا المهانة والهوان والظروف، حيث كانوا، في الخارج والداخل..
وخيارُ أطفالٍ من حقهم أن يعيشوا طفولةً طبيعيّة، كسائر أطفال العالم، ومن حقّهم أن يعودوا إلى مدارسهم..
وخيارُ جيلٍ من الشباب، يريد فرصةَ بناء مستقبله في وطنٍ آمن، لا التسكع المذلّ على أبواب اللئام وسفاراتهم..
وخيارُ عجائزٍ يريدون الموتَ في بيوتهم، وأن يحظوا بقبورٍ في ديارهم، وعزاءاتٍ تليق بأعمارٍ انسلخت، وتعوّض شيباتٍ أهينت وذلّت في أواخرها..
وخيارُ جوعى، بات التسوّلُ وجبتَهم الوحيدة..
وخيارُ شعبٍ بات مقسّماً مفككاً، بعد أن علّم الإنسانيّة معنى التآخي والعيش المشترك، وبناء الحضارات، منذ آلاف السنين..
وخيارُ كلّ مواطنٍ شريف، لا يريد تكريسَ حربٍ أهليّة قائمة، لا تبقي ولا تذر، ولا الاتجاه نحو تقسيمٍ تفرضه المآلات السوداء..
ولا يعيب هذه الطاولة أنّها فُرضت فرضاً، كما كلّ الطاولات الأخرى حين يفقد الجميع بصائرَهم وعقولَهم وحرصَهم على أوطانهم..
لكلِ هؤلاء، هذه طاولة الفرصة الأخيرة.
ولأنّها كذلك، فعلى كلّ أطراف الصراع أن يكتفوا بما قتلوا ودمّروا، وما سرقوا ونهبوا..
وأن يقصوا مصالحهم، لمرّة واحدة، لمصلحة وطنٍ يستحق منهم ذلك..
وأن ينهوا خلافاتهم البينيّة، ويرتقوا إلى مستوى بناةِ وطن..
وأن يعملوا على تسييج كعكة الوطن، لا تقاسمها..

أليس بديهيّاً القول أنّ الفرصة الأخيرة هي آخر الفرص؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…