التدمير الممنهج لروح الكُردي

حسين جلبي
 

 

ما يجري اليوم من تدمير ممنهج للكُردي السوري و تشويهٍ لهُ و مُحاولة تطويعهُ نفسياً و جسدياً، مسألةٌ لا يُمكن تجاهلها و اعتبارها أمراً عرضياً و بسيطاً يُمكن تجاوزه بسهولة و معالجة آثارهُ ما دامت ثمة جدران قائمة لم تُصب بضرر يعلوها سقفٌ و لا زال الكُردي يحتمي بها من حر الصيف و قر الشتاء، على العكس من ذلك، فإعادة بناء الأنسان و تخليصهُ من العاهات الناجمة عن الخوف و الأرهاب، كالكذب و النفاق و الأزدواجية و بقية العلل النفسية و الجسدية الأُخرى التي تنجم عن ممارسة العنف، أكثر صعوبةً من إعادة بناء بعض الجدران المتهدمة التي لا تحتاج حقيقةً سوى لبعض المال لذلك،
إن اعادة بناء المجتمع الذي تشوه نتيجة القمع الذي يُمارس ضد أفراده عملية صعبة ومعقدة قد تمتد، مثل التشوهات الناجمة عن أستعمال اسلحة الدمار، لأجيال، ذلك أن ما ينجم عن العنف قد يُصبح طريقة حياة و عاداتٍ سيئة قد تترسخ و سيصعب بالتالي مقاومتها و تغييرها، ثم أن تجربة اليوم تقول بان تلك الجدران القائمة لم تحمي الكُرد لحظةً واحدة، إذ ان عمليات القتل و الخطف و فرض الأتاوات و جر المنطقة نحو الدكتارتورية، و كذلك عمليات الحرق و الهجرة الواسعة النطاق منها و التي أدت الى حدوث تعييرات ديمغرافية خطيرة لم تتوقف، هذا ناهيك عن أن تلك الجدران المهترئة قد أصبح لها آذانٌ فعلاً بحيثُ أنها ترصد كل ما يجري داخلها و هي مفتوحة على الخارج مهما كانت أبوابها محكمة الأغلاق.
إذاً، و بجردة بسيطة، يُمكن للمرء أن يتساءل عما أستفادهُ الكُرد، إذا كان من تبقى منهم على أرضه، يجلس بين أربعة جدران و هو يشعر بالخوف و البرد و الجوع؟ ماذا ينفع الكُردي إذا لم تكن تلك الجدران قادرة على منحهُ الشعور بالأمان و الدفأ و الشبع؟ كيف ستنفعهُ تلك الحدران إذا بقي خائفاً ممن قد يقتحم بيتهُ في الليل أو النهار و يأخذه بسبب وشاية أو كلمة تفوه بها؟ ماذا ينفعهُ إذا كان تأمين رغيف خُبزه قد غدا مُعضلة كبرى، و أيةُ حُريةٍ يشعر بها إذا كانت تلك الجدران قد أصبحت سجناً و أصبح حلمهُ الوحيد هو الفرار منه، ليس إلى خارجهُ حيثُ السجن الكبير، بل أبعد من ذلك بكثير.


هذه ليست دعوة للنظام لتدمير المنطقة الكُردية بعد أن جرى تفريغها من الكُرد و تجري محاولاتٌ لتفريغ الأنسان الكُردي من الداخل، فالحقيقة هي أنهُ لم يكن هناك سوريٌ واحد رضي بتدمير بيته أو دعا النظام إلى ذلك أو تصور بأنهُ سيقوم بذلك عندما بدأ ثورته، لكنها ليست كذلك دعوة للكُرد للأستسلام و الرضا بالأختيار بين السئ و الأسوأ، إذ لا بُد أن يكون هناك حلٌ هو أبنُ الحاجة يقوم على المُزاوجة بين الحفاظ على النفس و المكان معاً دون الدخول في دوامة الدكتاتورية بآثارها المدمرة حاضراً و مستقبلاً، لا بُد أن تكون هناك مُقاومة سلمية قاعدتها التعامل السلبي مع كل أجراءات الدكتاتورية الهادفة الى ترسيخ نفسها في الذهنية الكُردية كسلطة شرعية.
الحفاظ على المنطقة الكُردية أذاً، أو الاصح المحافظة على البناء فيها بعد أن تم تدمير الأنسان الكُردي يبدو أمراً غير مُجدٍ خاصةً إذا كان يتم بممالأة النظام و السير في ركابه و الضرب بسيفه، أي بسلوك طريق العمالة لهُ كما يُفضل البعض تسمية الأمر، الشعب الكُردي أطهر من الصورة التي يُحاول البعض تسويقها لهُ من خلال جعلهُ يظهر و كأنهُ انتهازي مُتهافت أختار جانب النظام الوحشي الذي يفترس السوريين و يدمر سوريا بشكلٍ ممنهج، كل ما في الأمر أن هناك شبيحة، مثلهم مثل الشبيحة الموجودين بين المكونات السورية الأُخرى، يتعاونون مع النظام من أجل مصالحهم أو لأن النظام يحتفظ بمفاتيح صناديق فضائحهم و سرقاتهم و جرائمهم في جيبه، و قد نجحوا مؤقتاً في إزاحة صورة الكُردي الشجاع الذي لم يكن سوى مُقاوماً للنظام، و الذي لا زالت صورة ثورته في 2004 مَعلماً و درساَ، و ستبقى.

حسين جلبي
jelebi@hotmail.de

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…