سبعة منظمات حقوقية و سبعة أخطاء مسلكية

حسين جلبي

البيان الذي أصدرتهُ سبعة منظمات مُدافعة عن حقوق الأنسان في سوريا، ثلاثة منها عربية و أربعة كُردية، و ذلك على خلفية مقتل طالبة شابة في مدينة الحسكة أمس برصاصة طائشة، يُشكل وصمة عار في سجل تلك المنظمات و خطأ لا يُغتفر للقائمين عليها، فقد جاء في ذلك البيان: (إننا نتوجه الى الحكومة السورية بالعمل سريعا من أجل الكشف عن الذين قاموا بهذا العمل الإجرامي الآثم، والقبض عليهم وتقديمهم إلى محاكمة عادلة، لينالوا العقاب اللازم).
تشير لهجة البيان، و خاصةً مسألة التركيز على إدانة و نبذ العُنف في سوريا في فقرة تالية للمذكورة أعلاه، اما إلى أن تلك المنظمات ليست سورية أو أنها غير معنية أساساً بما يجري في سوريا، و لا تعرف بالتالي شيئاً عن حقيقة الوضع في البلاد و تجهل أو تتجاهل طبيعة النظام الأجرامي فيها، أي أنها تعمل عن بُعد بناءً على معلومات غير دقيقة، أو إلى أن تلك المنظمات مقتنعة بأن ما يجري في سوريا منذُ ما يُقارب الثلاث سنوات ليس بثورة، و بأن ما يرتكبه النظام حتى اليوم ليس سوى دفاع عن المواطنين و البلاد و بالتالي صحة ما يسوقه من ادعاءات، و في أفضل الاحتمالات فأن البيان يُساوي بين جميع المُتحاربين، عساكر و مدنيين، في سوريا.
لكن الحقيقة هي أنهُ و منذُ بدء الثورة السورية، إن لم يكُن قبلها، لم تعد الحكومة السورية حكومة للسوريين، فهي لم تكن يوماً ممثلة للشعب السوري الذي لم ينتخبها، لذلك أمتنع المواطنون عن التوجه إليها بمطالبهم الحياتية البسيطة فما بالنا بتقديم شكاوي إليها من جرائم تقوم هي نفسها بأرتكابها على مدار الساعة بحقهم، و هكذا، و بسبب تلك الجرائم الوحشية الفريدة من نوعها، فَقد الناس رجائهم في النظام ففقد شرعيته و سقط نهائياً من عقولهم منذُ أن أطلق أول رصاصة على السوريين العُزل، فأخذوا يسعون للخلاص منه إلى الحد الذي دفعهم للثورة عليه، و أنشاء أجسام مُعارضة بديلة عنه، و المُطالبة بتدخل أجنبي حتى بشكله العسكري في ذلك السبيل.
الغريب حقاً هو مُطالبة مُصدري البيان (الحكومة السورية بالعمل سريعا من أجل الكشف عن الذين قاموا بهذا العمل الإجرامي الآثم..)، فمتى كانت مُطالبة القاتل بالتحرك للكشف عن الأدلة على أرتكابه الجريمة صحيحة و لا تفتقد إلى المنطق؟ ألا يرى الجميع الفبركات التي يسوقها النظام لتبرئة نفسهُ و ألقاء عبء الجرائم التي يقترفها على الضحايا أنفسهم؟ ثم متى تحرك النظام طوال الفترة الماضية فشكل لجاناً للتحقيق في الجرائم الكثيرة التي حصلت و التي من الواضح أرتكابها لها؟ و متى أوصلت وسائل التحقيق التي أتبعها إلى الحقيقة؟ ثم لماذا هذه الثقة المُفرطة في النظام و التأكد بأن تحركه سيكشف من يقف وراء الجريمة؟ ألا يشكل ذلك تبرئة أفتراضية لقاتل، على الأقل حتى قيامه هو نفسه بتقديم أدلة على أرتكاب للجريمة، و بالتالي تعاملاً غير حيادي مع النظام مع ثبوت أرتكابه لكل الجرائم و المجازر و التي لا  تحتاج للتحقيق فيها؟
إلا أن الأغرب من ذلك كله و الأكثر دعوةً للأستهجان هو الثقة التي تبديها تلك المنظمات السبعة في عدالة النظام و نزاهة قضائه من خلال دعوتها إياه إلى أجراء مُحاكمة عادلة للقتلة بعد القبض عليهم حسب الأصول لينالوا جزائهم العادل جراء ما أقترفته أياديهم، بحيثُ ينطبق على تلك الدعوة الثنائية التي أشار اليها الشاعر عن (الخصمُ و الحكمُ).
يفهم المرء من البيان العتيد إذاً بأننا أمام دولة ديمقراطية تحترم حقوق الأنسان، و هناك فصل بين السلطات الثلاثة فيها بحيثُ تُمارس كل سلطة منها الدور المنوط بها وفق الدستور الذي وافق عليه الشعب و دون أي تعدي على دور الأُخرى، و ليس أمام عصابة من القتلة أبسط جرائمها هي أطلاق النار العشوائي يُسقط بسببه ضحايا ليس لإنسانيتهم أي اعتبار.
الحقيقة هي أن المُفترض في حالات وقوع جرائم مثل تلك التي أستدعت صدور البيان الحقوقي أن تكون مُنظمات حقوق الأنسان أكثر حذراً في التعامل مع الجهة التي قد توجه اليها سهام الشك فتجعل بينهما مسافةً، و أن تقوم هي نفسها، و في حال ما إذا كانت الجريمة غامضة، بالتحقيق فيها أو الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق مُحايدة وفق آليات تحددها المعايير الدولية، بحيثُ لا يُستبعد أحد من الأتهام و التحقيق و خاصة النظام الذي أرتكب منذ بدء الثورة السورية من الجرائم ما تعجز سجلات العالم من أحتوائه.
jelebi@hotmail.de

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…