إذا نظرنا إلى بنية النظام و طبيعته القائمة على أساس الطائفية و العنصرية و حتى المناطقية و التي تعتمد على مجموعة من الأجهزة الأمنية و التي تم تدريبها خلا أربعين عاماً و أكثر على أن تقمع و تقتل و تعتقل بشكل ممنهج و تلقائي بدون أي رادع قانوني و غياب الضمير الإنساني لديها متخذين من قادتهم السياسيين و العسكريين مثلاً أعلى مع العلم إنهما وجهان لعملة واحدة ذات معادلة دائرية لا تنتهي فنجد أن النظام الذي خرج من المؤسسة العسكرية يقود السياسة في البلد أيضاً و أصبحت هذه المؤسسة في خدمة هذا النظام الديكتاتوري و بدلاً من خدمة الوطن و حمايته من الخطر الخارجي أصبح يحمي النظام من الشعب، إذاً الحل السياسي غير مجدي مع طبيعة هذا النظام لأن العلة ليس في تغيير الرأس فقط و إنما يجب تفكيك بنية هذا النظام من القمة إلى القاعدة حتى لا يفرخ نظاماً على شاكلته أو تسليم السلطة لأحد المقربين له و هذا ما لا يتنازل عنه النظام أبداً، و لذلك فإن أية حلول سياسية مع بقاء قطعان النظام غير ممكنة في سوريا أبداً ما لم يتم إبعاد النظام الحالي و الطبقة المقربة منه من دائرة الحل لأنهم جزء من المشكلة و لا يلتفتون إلا إلى مصالحهم الخاصة و العائلية بعيداً عن الشعب و الوطن، و لهذه الأسباب مجتمعة فالحل السياسي في سوريا بعيد المنال حسب هذه المعطيات و لا ننسى طبيعة التجاذبات الدولية و تذبذب المجتمع الدولي بين داعم للنظام و متمسك بمصالحه و من يريد استمرار الحرب على الأرض السورية بشرط السوريون وحدهم من يدفع فاتورة الدماء.
أما المعارضة فهي في تخبط شديد و تتغلب على توجهاتها أفكار الطائفية و الأفكار المتشددة و أخذ الثأر و القيام بأعمال لا أخلاقية و بعيدة كل البعد عن العادات و التقاليد و الأعراف تحت راية الدين و باسم الإسلام و الجهاد في سبيل الله و الله برئ من كل أعمالهم و فتح جبهات أخرى لا حاجة لها إلا لتلبية مصالح فئة معينة و لصالح النظام.
أمام هذا المشهد الفوضوي تارة و الإرهابي تارة أخرى من كلا الطرفين يبقى النظام و من يعمل تحت أمرته في هذه المرحلة الراهنة من عمر الأزمة هم السبب الأساسي لظهور الأعمال الإرهابية و الجهادية و تحويل سوريا إلى جبهة مفتوحة لتصفية الحسابات الأقليمية و توزيع المصالح الدولية و خاصة الكبرى منها في المنطقة كل حسب قوته و سيطرته على الأرض في المشهد السوري .
و لكن لم تستوي شروط التفاوض حتى الآن و يبدو أنها لن تستوي أبداً بسبب إصرار النظام على الإحتفاظ برأسه و قيادته لعملية التفاوض المرتقبة في جنيف 2 و خاصة بدأ يحسن من موقعه التفاوضي في ظل نجاحه على الأرض في مناطق عدة و سوف يظهر نفسه على أنه هو الأقوى و المسيطر و هو الزعيم الأوحد على طرفي النزاع و تبقى المعارضة خارج المعادلة و خاصة أن المعارضة السياسية لا تستطيع السيطرة على الفصائل المحاربة و المتحاربة و هذا ما يقوي من شوكة الجهاديين صنيعة النظام ولن تتمكن المعارضة السياسية من وضع حد لممارساتهم أو القدرة على الضغط عليهم و هو ما يبرزها بموقف ضعيف و حتى إن ذهبت بهذا الشكل إلى التفاوض فإنها سوف تفقد الكثير من مصداقيتها و شعبيتها و قاعدتها الجماهيرية و تصبح مثل الفقاعة لا أكثر و يراهن النظام على كل ذلك في الذهاب إلى جنيف 2 بدون شروط
فكما أن جنيف 1 لم يحقق شيئاً لما قبل جنيف 2 فإن جنيف 2 لم و لن يحقق شيئاً لما قبل جنيف 3 و سوف يعطى مزيداً من الوقت في هدر الدماء و مزيداً من الدمار و الخراب و سوف تقوم الدول العظمى بتفسير المقرارات كل حسب هواه و مصالحه و كل يحتفظ له بتفسيره و هكذا تنتهي الأمور بدون الوصول إلى تفسير موحد و يستمر القتل في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجبه الإنساني و الأخلاقي.