في ظل إنتظار جنيف2 ؟

  مروان سليمان

يراهن الكثير من الأنظمة و الدول على مؤتمر جنيف 2 كحل للأزمة السورية و وضع الحلول السياسية لها هذا في ظل تراكم المعلومات و تدفقها من قبل الأطراف الدولية مجتمعة سواء كانت العربية منها أو الأجنبية و التي تدور في رحاها الكثير من الأفكار و التحليلات حول طبيعة الأزمة في سورية و كيفية الخروج منها و وضع الحلول اللازمة في جميع المسارات الممكنة سواء منها السياسية أو العسكرية لأن نار الأزمة بدأت في سوريا و لكنها تتسع رويداً رويداً ليدخل الجميع من الدول المحيطة بسوريا في هذه النار و التي سوف تحرق الأخضر و اليابس
 فها هي لبنان على شفير الهاوية في اشتباكات طائفية بين مؤيد للنظام و معارض له، كما الوضع في تركيا و العراق و الأردن لا يبشر إلا بالحرب الطائفية هذا عدا الجرائم التي ترتكب داخل سوريا و الدمار الذي لحق بالينية التحتية و تخريب الإقتصاد و هجرة السكان و الحاجة إلى المساعدات الإنسانية و كل هذه موجبات منها السياسية و الإقتصادية و العسكرية و حتى الأخلاقية التي تدفع الدول الكبرى و العظمى و دول الجوار السوري إلى معالجة جدية و فعلية بعيداً عن التصريحات و الخطابات الأعلامية التي لم يعد السوريون يطيقون سماعها، و لكن هل تتوفر الإرادة السياسية و خاصة لدى الطرف القوي ألا و هو النظام المدعوم من قبل حلفائه في المنطقة فعلياً بالمال و السلاح، أما إذا كانت هذه الإرادة غير متوفرة فما هي الخطوة العملية المطلوبة من الدول العظمى القيام بها بعد هذا المؤتمر( جنيف2).

إذا نظرنا إلى بنية النظام و طبيعته القائمة على أساس الطائفية و العنصرية و حتى المناطقية و التي تعتمد على مجموعة من الأجهزة الأمنية و التي تم تدريبها خلا أربعين عاماً و أكثر على أن تقمع و تقتل و تعتقل بشكل ممنهج و تلقائي بدون أي رادع قانوني و غياب الضمير الإنساني لديها متخذين من قادتهم السياسيين و العسكريين مثلاً أعلى مع العلم إنهما وجهان لعملة واحدة ذات معادلة دائرية لا تنتهي فنجد أن النظام الذي خرج من المؤسسة العسكرية يقود السياسة في البلد أيضاً و أصبحت هذه المؤسسة في خدمة هذا النظام الديكتاتوري و بدلاً من خدمة الوطن و حمايته من الخطر الخارجي أصبح يحمي النظام من الشعب، إذاً الحل السياسي غير مجدي مع طبيعة هذا النظام لأن العلة ليس في تغيير الرأس فقط و إنما يجب تفكيك بنية هذا النظام من القمة إلى القاعدة حتى لا يفرخ نظاماً على شاكلته أو تسليم السلطة لأحد المقربين له و هذا ما لا يتنازل عنه النظام أبداً، و لذلك فإن أية حلول سياسية مع بقاء قطعان النظام غير ممكنة في سوريا أبداً ما لم يتم إبعاد النظام الحالي و الطبقة المقربة منه من دائرة الحل لأنهم جزء من المشكلة و لا يلتفتون إلا إلى مصالحهم الخاصة و العائلية بعيداً عن الشعب و الوطن، و لهذه الأسباب مجتمعة فالحل السياسي في سوريا بعيد المنال حسب هذه المعطيات و لا ننسى طبيعة التجاذبات الدولية و تذبذب المجتمع الدولي بين داعم للنظام و متمسك بمصالحه و من يريد استمرار الحرب على الأرض السورية بشرط السوريون وحدهم من يدفع فاتورة الدماء.
أما المعارضة فهي في تخبط شديد و تتغلب على توجهاتها أفكار الطائفية و الأفكار المتشددة و أخذ الثأر و القيام بأعمال لا أخلاقية و بعيدة كل البعد عن العادات و التقاليد و الأعراف تحت راية الدين و باسم الإسلام و الجهاد في سبيل الله و الله برئ من كل أعمالهم  و فتح جبهات أخرى لا حاجة لها إلا لتلبية مصالح فئة معينة و لصالح النظام.
أمام هذا المشهد الفوضوي تارة و الإرهابي تارة أخرى من كلا الطرفين يبقى النظام و من يعمل تحت أمرته في هذه المرحلة الراهنة من عمر الأزمة هم السبب الأساسي لظهور الأعمال الإرهابية و الجهادية و تحويل سوريا إلى جبهة مفتوحة لتصفية الحسابات الأقليمية و توزيع المصالح الدولية و خاصة الكبرى منها في المنطقة كل حسب قوته و سيطرته على الأرض في المشهد السوري .
و لكن لم تستوي شروط التفاوض حتى الآن و يبدو أنها لن تستوي أبداً بسبب إصرار النظام على الإحتفاظ برأسه و قيادته لعملية التفاوض المرتقبة في جنيف 2 و خاصة بدأ يحسن من موقعه التفاوضي في ظل نجاحه على الأرض في مناطق عدة و سوف يظهر نفسه على أنه هو الأقوى و المسيطر و هو الزعيم الأوحد على طرفي النزاع و تبقى المعارضة خارج المعادلة و خاصة أن المعارضة السياسية لا تستطيع السيطرة على الفصائل المحاربة و المتحاربة و هذا ما يقوي من شوكة الجهاديين صنيعة النظام ولن تتمكن المعارضة السياسية من وضع حد لممارساتهم أو القدرة على الضغط عليهم و هو ما يبرزها بموقف ضعيف و حتى إن ذهبت بهذا الشكل إلى التفاوض فإنها سوف تفقد الكثير من مصداقيتها و شعبيتها و قاعدتها الجماهيرية و تصبح مثل الفقاعة لا أكثر و يراهن النظام على كل ذلك في الذهاب إلى جنيف 2 بدون شروط
فكما أن جنيف 1 لم يحقق شيئاً لما قبل جنيف 2 فإن جنيف 2 لم و لن يحقق شيئاً لما قبل جنيف 3 و سوف يعطى مزيداً من الوقت في هدر الدماء و مزيداً من  الدمار و الخراب و سوف تقوم الدول العظمى بتفسير المقرارات كل حسب هواه و مصالحه و كل يحتفظ له بتفسيره و هكذا تنتهي الأمور بدون الوصول إلى تفسير موحد و يستمر القتل في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجبه الإنساني و الأخلاقي.

29.10.2013

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…