الكورد، و منظمات المجتمع المدني .

سليم عمر

كنت أعتقد أن الكورد ، عندما يتسنى لهم ، أن يمارسوا حياتهم بأنفسهم ، و أن ينظّموا أمورهم من خلال دوائر ، و مؤسسات ، و منظمات رسمية ، و مدنية ، فإنهم ، سيبدؤون بداية سليمة .

فقد عانينا لقرون طويلة من الظلم ، و الاستغلال ، و التهميش ، و تعرضنا دائما إلى ممارسات عنصرية مجحفة ، و كنا نطالب دائما برفع هذا الغبن التاريخي الذي لحق بنا ، و أن يتم الاعتراف بنا كشعب له حقوقه ، و أن يتم قبولنا كبشر لهم خصوصياتهم ، و أن يوضع حد لسياسات التمييز ، و الانكار ، و الاقصاء ، و الفكر الشمولي ،
 و لأننا عانينا من كل ذلك ، فقد كنت أعتقد أن هذه المظالم التي وقعت علينا ستكون ماثلة دائما  نصب أعيننا ، و أننا لن نسمح لأنفسنا ، أن  تكون هذه الثقافات  جزءا من تاريخ جديد، نخطّه بأيدينا ، و أن نبدأبهذه الممارسات المتخلفة ، و الممقوتة ، هذه المرحلة الجديدة التي  نُدير فيها أمورنا بأنفسنا ، إلا أن ما يجري على الأرض من ممارسات من قبل الحراك الاجتماعي ، و السياسي في كوردستان الغربية ، لا يبشر بخير ، و لا يوحي بأننا بدأنا البداية الصحيحة ، و لا يؤشر إلى أننا جزء من هذا العالم الحديث ، الذي وضع هذه المفاهيم خلف ظهره منذ عقود ، و لا يدل على أننا نستذكر تاريخنا ، و نستفيد من تجارب العالم المتحضر من حولنا ،بل على العكس من ذلك تماما ، حيث تؤكد ممارساتنا على الأرض ، على أننا تشرّبنا – حتى النخاع – الثقافات الجائرة التي مارستْها علينا الأنظمة العنصرية ، و الشمولية ، و على أننا لا نختلف في قليل أو كثير عن الفكر الذي لحِقنا منه جوْرٌ كبير ، و على أننا لا نشكّل النموذج الذي طالما دعونا إليه ، و الذي تمنيناه أن يسود المجتمع الكوردي في يوم من الأيام ، فثقافة التخوين ، و الاقصاء ، و التآمر ، و العصبية الحزبية ، و القبلية التي ، عشّشتْ في الساحة السياسية من المجتمع الكوردي لعقود ، انسحبت على منظمات المجتمع المدني التي ، انبرت الشرائح المختلفة من المجتمع الكوردي  إلى إنشائها لدوافع شتى ، و بدا أن حالةالفُرقة ، و الاختلاف،و الانقسام التي طبعت الساحة السيياسية الكوردية ، لم تكن من صنع النظام وحده – و كما كنا نعتقد – و إنما هي ثقافة زرعها البعث ، و تأصلت في ثقافة المجتمع الكوردي  .

فقد انقسمت الشبيبة الكوردية على نفسها تحت مسميات متعددة ، و اختلفت النسوة فيما بينهن ، و شكّلْن أكثر من اتحاد ، و تشرْذم الطلبة ، و الفنانون ، و رجال الأعمال ، ثم لحق بهم المثقفون من كتاب ، و صحفيين ، لم يبق تجمّع سياسي ، أو مدني ، لم ينقسم على نفسه ، لقد أعادوا إنتاج ثقافة البعث ، و لكن بعباءة كوردية ، التلاعب ، و التزوير ، و التآمر ، و الاقصاء ، و القوائم المعدة مسبقا ، و البيانات المليئة بلأكاذيب ، و التي تستخف بعقول الناس ، و تستهين بها ، و مع أن هؤلاء يدركون جيدا ، أن المشوار لا يزال طويلا أمام سفينة الكورد ، إلى أن ترسو على مرفأ ، و أن على الكورد أن يقدموا الكثير ، ليستردوا إرادتهم المسلوبة ، و مع ذلك ، فإنهم ، يقامرون بمستقبلنا ، و يندفعون وراء أنانياتهم ، و نزواتهم المريضة ، و يجدون دائما ، من ينجرّ إلى ألاعيبهم الرخيصة المكشوفة ، ربما بدافع التسلّق إلى واجهة هزيلة غير ذات نفْع ، أو أن البعض يعتقد ، أن عليه ،أن يسرع الخطْو اليوم للجلوس على مقعد فارغ في الواجهة ، و بأي ثمن ، لأن غدا ، يكون الوقت قد فات .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…