الشّعبُ الكرديّ في سوريا يفتقرُ إلى القائدِ الرّمْز؟!

نارين عمر
narinomer76@gmail.com

بين الفيْنةٍ والأخرى تُثارُ على السّاحةِ الكرديّة السّوريّة مقولة “القائد الرّمز”, ويُثار معها هذا السّؤال:

-لماذا يفتقرُ الشّعْبُ الكرديّ في سوريا إلى القائدِ الرّمْزِ كما هو موجودٌ في أجزاء كوردستان الأخرى؟ وطبعاً تُحاك حولها عشرات الرّدودِ وردود الفعل والقول, كلّ يحاولُ التّأكيدَ على ردّه ورأيه.
-البعضُ يرى أنّ طبيعة هذا الجزء من كوردستان حالتْ دون ظهوره كون أرض كوردستان هنا في معظمها منبسطة, سهلة خالية من الجبال الشّاهقة والتّلال البارزة والكهوف العميقة ما أدّى إلى صعوبةِ قيامهم بحروبٍ أو ثوراتٍ ضدّ مغتصب أرضهم وحقّهم, وهذا بدوره حال دون ظهورِ مثل هذا القائد.

-البعض الثّاني يؤكّد على أنّ ظهور هذا القائد الرّمز في أجزاء كوردستان الأخرى حال دون ظهوره في كوردستان سوريا, لأنّ كلّ جزءٍ من هذه الأجزاء شهد حروباً وثوراتٍ وانتفاضاتٍ حقيقيّةٍ وكبيرةٍ, برز من خلالها أكثر من قائدٍ ومناضلٍ وزعيم صار فيما بعدُ الرّمْزَ.
-البعضُ الثّالثِ يعتقدُ أنّ الخلافاتِ التي ظهرت والصّراعاتِ التي نشأت بين الرّعيل الأوّل من مؤسّسي أوّل حزبٍ كورديّ منظّم في منتصف القرن العشرين كان له الدّور الأكثر تأثيراً, لأنّهم ورثوا كلّ ذلك إلى الأجيال التي تلتْهم حتّى انتقلتْ العدوى إلى جيلنا المعاصر.
-أمّا البعضُ الرّابع فيزعمُ أنّ انتشار الوعي الثّقافيّ والسّياسيّ والاجتماعيّ لدى أبناء وبناتِ الشّعب الكرديّ كان السّبب الأبرز في عدم ظهور هذا القائد الرّمز بسبب المنافسة الشّديدة والمتقاربة بينهم التي جعلتهم قريبين في مستوى الوعي والإدراك والثقافة ما منع من عدم ظهور هذا القائد.
في الحقيقة نستطيع أن نؤكّد على وجودِ نسبة كبيرة من المصداقيّة في آراءِ ومواقف هذا المربّع من البعضِ مع تحفّظي على رأي البعض الرّابع الذي بات ضرباً من الخيال في معظمه بعد ظهور الأحداث الأخيرة في الوسط الكرديّ, وبعد انكشافِ حقيقتنا أمامَ نفسِنا وأمام الآخرين.
في كوردستان سوريا كلّ سكرتير أو رئيس حزبٍ أو أمين عام للحزب وكلّ قياديّ حزبيّ آخر هو بمثابة الرّمز أو القدّيس لأعضاءِ حزبه, ولكن مجرّد أن يُبْعَدَ عن الحزبِ لسببٍ ما يتحوّل إلى “المدعوّ” أيّ يُجرّدُ من اسمه ولقبه, وتُلْصَقُ به كلّ الصّفاتِ السّيّئة بدءاً من العمالة للنّظام أو للعدوّ أو لجهاتٍ أخرى, ومروراً بالغباءِ والجهل وعدم الحنكة, وانتهاء بسوء السّلوكِ والخُلُقِ, أمّا إذا انتقلَ إلى العالم الآخر, فيسارع الكثير إلى منافسته على كرسيّه وهو ميّتٌ بين يديهم, وخلال أيّام العزاء المقرّرةِ له يحدثُ انشقاقٌ أو أكثر في الحزبِ نتيجة وجودِ أكثر من رأس يعلو, فيعلو نحو آفاقٍ يظنّ هو أنّها قد تصلُ إلى عرْشِ السّماءِ تحاول استلام عرْشه.

ونتيجة تأثّرِ الشّعبِ إلى حدّ بعيدٍ بقادتهم ومسؤوليهم فإنّهم يفعلون الأمر ذاته في مختلفِ أماكنِ تواجدهم ومختلفِ المنظّمات والجمعيات المدنيّة أو غير الحزبية التي يشكّلونها, ومع ظهور مؤسّسات المجتمع المدنيّ مؤخّراً.


السّبب الحقيقيّ والأبرز يكمن في روح الإقصاءِ والإنكار التي تتصارع في جسدِ الكرديّ في هذا الجزْءِ من كوردستان, وأنفاس الغيرةِ وإلغاءِ الآخر التي تنتشر في عمليّتي الشّهيق والزفيرِ التي تتحكّمان به.

فأبناء الحيّ الواحدِ يرفضون قيادة واحدٍ منهم, فيسارعون إلى انتخابِ شخصٍ من الحيّ الآخر يحكمهم, وكذلك أبناء القريةِ الواحدة, والمدينةِ الواحدة, بل ونستطيع أن نجزمَ أنّ هذا الأمرَ يسْري على بعضِ أفراد الأسرةِ الواحدةِ كذلك, فقد ترسم ابتسامة عريضة على شفتيّ فردٍ ما  من أسرةٍ ما حين تؤكّد له على أنّه هو الأبرز والأفضل من بين إخوته وباقي أفرادِ العائلة.

لذلك نجد معظم -كوردنا- سواء المنضوين تحت لواء الأحزاب او المستقلّين الذين يدّعون الاستقلالية, وأيّ استقلاليةٍ يقصدون؟ أو المجتمعين تحت سقفِ ما يسمّونها “منظّماتِ المجتمع المدنيّ”, نجد معظم هؤلاء مسرورين جدّاً بتبعيّتهم للآخر على مبدأ المثل الشّعبيّ ((كلنا في الهوى سوا)).
الشّعب الكرديّ في سوريا ينكرُ ذاته بذاته من خلال إنكاره لحقيقة وماهية الآخر الكرديّ, فكلّ كورديّ في سوريا يقبل بأن يمثّله أيّ شخصٍ آخر باستثناءِ كورديّ مثله سوريّ المنبتِ والمسقط.
أعتقدُ أنّه كان يوجد من بين قادة أوّل حزبٍ كرديّ في سوريا أكثر من شخصٍ كان بإمكانه أن يكون هو القائد والرّمز ولكن عدّة أسباب وعوامل حالت دون ذلك من أبرزها الخلافات التي نشأت بين معظمهم والتي كانت بمثابةِ بذور تفرقة زُرِعت في جسد الحركةِ الكرديّة حتّى الآن,وصارت الآفة الأشدّ فتكاً بالحركةِ الكرديّة وبالكردِ في عموم سوريا كما ذكرنا قبل حين.
-الشّعب الكرديّ في سوريا عليه نبذ الخلافات, والتّقليص من حجم الأنا التي يضخّمها حتّى لا تتحوّل إلى لعنةٍ عليه وعلى من حوله من الكائنات.
-على كلّ كورديّ أن يقبل بالآخر الكرديّ الذي يشاركه الأصل والنّسَب والقضيّة ويتعاملَ معه اعتماداً على الإمكانيّات الفكريّة والثقافيّة والخلقيّة والإبداعيّة التي من خلالها كلّها أو من خلال بعضها يستطيعُ إفادة الشّعب والمجتمع الكرديّ.
-حاجتنا إلى القائد الرّمز أو القياديّين الرّموز لا يعني إنكارنا للدّور الذي يلعبه القادة الكرد الآخرون في أجزاء كوردستان الأخرى لما لهم من تأثير كبير ومهمّ علينا جميعاً كشعبٍ كورديّ واحدٍ وأمّةٍ كورديّةٍ واحدة, بل ونفتخر بإنجازاتهم وانتصاراتهم وما يقدّمونه إلى شعبنا الكرديّ في كردستان سوريا حتّى يومنا هذا.

-على الكرديّ أن يدركَ جيّداً أنّ تفوّقَ أحدهم على الآخرين لا يعني أنّه بتفوّقه يلغي دورهم أو يقلّص من عملهم أو جهدهم, بل يجب أن يتحوّل هذا التفوّق من قبله إلى نموذجٍ حَسَنٍ يقتدي به كل مَنْ يسعى للوصولِ إلى الأفضل والأنبل.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مصطفى منيغ / تطوان تأجيل المُنتُظر لا يجُوز، ومِن المُنتَظر التأجيل بالواقع ممزوج، بالتمعن في الجملتين نصل لمدخل معرفة دول تائهة كتلك البلهاء لا تفكر إلا أن يحتَلَّها زوج وإن قارب أعمال يأجوج ومأجوج ، و تلك العالمة لما تقدِّمُه من معقول لكل مَخْرَج لها معه نِعْمَ مَخْرُوج ، المكشوفة رغم تستُّرها وراء سَدٍّ يقِي وجودها دون تقدير إن تردَّ…

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…