ابن الجزيرة
بعد سهرة امتدت حتى الواحدة والنصف من صباح يوم الجمعة 12/1/2007 نمت .وعندما أفقت صباحا حوالي الثامنة،شعرت بان حالتي غير طبيعية، أشبه بإحساس بالخفة -بلغة الأطباء- ظننت أن الأمر قد يكون عارضا سببه خلل في نظام الطعام، أو أي امر آخر كالبرد مثلا..
ولكن الحالة لم تفارقني، بل وكأني بها تزداد، وعندما استمرت طلبت قراءة ضغط الدم لدي، فبدا عاليا خاصة في اللحظة الأخيرة – فقبل الإحساس بنوع من التنميل(التخدير) في شقي الأيمن (نصف جسمي الأيمن).
كان ضغط الدم بحسب قراءة الطبيب أحمد حسين 12/18 (والذي أشكره جزيل الشكر على حضوره الإسعافي وحسن تشخيصه..
ومعالجته..
ومتابعته أيضا).
ولا بد من شكر الدكتور صاروخان على عيادته لي وعونه.
وكنت قد تقيأت مرتين او أكثر، فظننت أن الأمر حالة تسمم ستنقضي بعد الإقياء.، ويبدو أن اجتهادي لم يكن في محله..لأن الحالة تفاقمت، وتطورت إلى تنميل (تخدير) في شقي الأيمن بكامله، كان التنميل (التخدير) خفيفا في الدرجة ..وعندما أعلمت الطبيب بذلك، أوعز بالذهاب إلى القامشلي بسرعة أخافتني دلالتها نوعا، قائلا: ينبغي تصوير طبقي محوري لتحديد الحالة ، ووصف العلاج.، وفعلا كانت سيارة.
(بشير أبي ياسر) خلال دقائق على الباب، حيث جهزت الكراسي لتصلح سريرا اسعافيا، وفرش فوقه لأستلقي عليه ،وكان رأسي فوق مخدة.، وعندما كان ينخفض عن مستوى جسدي، كنت أشعر بدوخة أرى فيها وكأن السقف يميل يمينا وشمالا، ويؤثر ذلك على معدتي، فتدفعني إلى الإقياء..
وشعور بما يشبه الحرقة تحت عظم القص تماما.
لكن لم أتقيأ لكوني قد حقنت بدواء مضاد للإقياء- كان الطبيب المختص بالحالات العصبية – د.صلاح إبراهيم- ينتظرني- بناء على اتصال من الدكتور احمد حسين ليحيلني إلى المشفى الحكومي لتصوير رأسي ( طبقي محوري).
كان الوقت حوالي الثانية عشرة والنصف ليلا تقريبا وكانت النتيجة مطمئنة – والحمد لله-.
وبعد بعض معاينة تبين لنا جميعا أنني لم افقد الإحساس..
ولاقوة الحركة في جسدي.وهذا كان مطمئنا ومشجعا.
وكان حضورهم من أسباب تسهيل عبء المرض علي، من خلال شعوري بحنانهم وتعاطفهم معي، وتأثرهم بمصابي،.إضافة إلى مرافقي (زوجتي الصبور وابني ريفان وابن العم علي جانكير ، وابن الخال والصهر نعيم حاجي الذي تعب معي كثيرا في بقائه إلى جانبي ليلا نهارا، والصديق أبو ياسر- السائق- وكان قد احضر معه مبلغا بمبادرة منه مشكورا افترض أننا قد نحتاج إليه.
كما فعل غالبية المحيطين من الأقرباء والأصدقاء-وهذه لفتة كريمة ونبيلة منهم نتمنى أن تصبح عادة في مثل هذه الحالات وما يشبهها.
فلهم ولجميع من شاركني رحلة الألم (المرض) جزيل شكري.
(ولا يسعني إلا أن أنحني تقديرا أمام مشاركة أعضاء كروب ديرك الذين أدخلوا سرورا زائدا على نفسي بمبادرتهم اللطيفة في الإحتفال بمناسبة تحسن بقالب كاتو تتوسطه وردة حمراء تذكر بعيد المحبة، وعبارة منقوشة على سطح القالب تعبر عن تمنياتهم لي بالشفاء الكامل، وغمروني بكرمهم عندما قرأوا كلمات مكتوبة او شفاها، عبروا بها عن صدق مودتهم ونبل شعورهم.
وستظل أصداء هذه الكلمات الطيبة ترن في أذني وتنقش على قلبي زمنا أقدر له أن يطول.
فالوفاء ذو أثر عميق في النفوس العزيزة..!
ولعل الجميع يعذرني فيما قد أكون وقعت فيه من سهو فهم يعلمون ظروف مرضي وأنني لم أحسن رؤية زواري جميعا، مما قد يكون أسقط حقوقا لم أعلمها، وعموما فالشكر للجميع.
كانت غرفة واسعة فيها ” 4″ أسرة فقط – في كل زاوية سرير- مع أجهزة المراقبة من ضغط وتخطيط قلب وغيرها تظهر النتائج –آليا- عبر شاشة تلفزيونية.
وكانت توجد مناوبة مستمرة من: طبيب مقيم وممرضة مختصة، للسهر على حالة النزيل- ولا أقول المريض- فتلك كلمة تشعر بالضعف حتى في نظر الجميع..
ويرافقها شعور بالعطف والشفقة لا تأنس بها النفس العزيزة.
فلقد عولجت خير معالجة على يد هؤلاء -أطباء وممرضين (نرس)- بل وأقدم شكري للجميع على ما أولوني به من اهتمام –أتمنى أن يكون للجميع مثله، فالألم لا يرحم..
وكل متألم يحتاج إلى اهتمام نفسي يغلب في الأهمية أحيانا الاهتمام بالبدن بالنسبة لنزيل المستشفى (المريض).(واخص الأطباء السادة د.صلاح إبراهيم- د.أحمد عبدو- د.كازمان وأبو شيروان – د.غسان مستو- د.ياسر- د.عبد الكريم- د.يحيى- ..
وآخرون لم أحفظ أسماءهم للأسف- وكذلك الدكتور الصديق وابن الصديق: مسعود رشيد والدكتور ماجد كلش على ما بذلوه من جهد معي.
وكذلك الممرضات: عزيزة- بفرين- واللتان بذلتا من الاهتمام ما جعلني أشعر بتقدير فائق لهما وكذلك زميلاتهما، ومن الملفت أنهما كانتا لا تفرقان في الإهتمام بين نزيل وآخر في حدود المعير السائدة ، وهذا ما أثلج صدري.
وأتمنى أن يكون هذا الأسلوب سيرة دائمة في حياة ملائكة الرحمة،فلحظات اللم لا تحتمل..
وغيرهما لم أحفظ أسماءهن.
وكم اقدر لعائلة النزيلة (خانم) عافاها الله، اهتمامها بمريضتها وخاصة ابنتاها (فقد كانتا خير بنتين ترعيان والدة مريضة وعنيدة أيضا، وكم كان سعة صدرهما لآهاتها وتجاوزاتها أحيانا كبيرة، مما انتزع إعجابي بهما فأوردت هذه اللفتة إليهما.ليكون سلوكهما قدوة لكل الأولاد تجاه آبائهم وأمهاتهم.بل لكل إنسان بأخيه الإنسان في لحظات الحاجة والمرض أشد اللحظات حاجة-كما يعرف كل من ذاق ألم المرض..!
في المشفى..
وفي البيت..
راجيا للجميع الصحة والعافية (فالصحة تاج على رؤؤس الأصحاء لا يراه إلا المرضى) هؤلاء المواسين: من الأهل (وأخص زوجتي التي ظلت تسهر على راحتي طيلة أيام المشفى وفترة النقاهة ودائما) والأقارب والأصدقاء والمعارف والجيران..
أو اتصلوا بالهاتف، أو بأي وسيلة اتصال متاحة..ومنهم السيدان / الأستاذ إلياس الأستاذ جورج والعمان ملكي فارتو ولحدو فارتو، ورشيد حسن أبو حسو.- ومحمود أبو مزكين…والأصدقاء:صلاح رمو- جمال معزول- صالح جانكو- أكرم صادق وعدنان جاجو- حاجي جب- د.قاسم – حسن رسول ونذير وابراهيم وصحبهم – كامل كامل- وغيرهم ..
وأخص الوفود الحزبية الكردية وقياداتها التي تكبدت مشقة عيادتي ومنهم السادة إسماعيل..
ونصر الدين..
وفؤاد عليكو..
وعمر جعفر..وبعض قياديي آزادي والبارتي ورفاقهم، وأصحابهم ، وغيرهم ممن قد سهوت عن ذكرهم، لهم جميعا جزيل شكري وتقديري مع الأمل منهم أن لا تكون آرائي السياسية مؤلمة لهم ، ويشفع لي عندهم أنني أعبر عن قناعاتي الخاصة غيرة مني على شعبي مثلما لهم غيرتهم.هذه القناعات التي تحتمل الخطأ وتحتمل الصواب، وهذا يدخل في باب تبادل الرأي والنقد والتحليل ..
وكلها ضمن أدبيات الديمقراطية التي نتوق جميعا إليها وندعو إليها…
وكل الزملاء في سلك التربية… ولا يمكنني أن أنسى اللفتة الطيبة من طلابي وطالباتي في معهد النور عندما زاروني وهم يحملون باقات ورد في أيديهم يقدمونها إلي تعبيرا عن مودتهم وتقديرهم..
وأرجو لهم أن ينالوا النجاح المجزي..
ولكن بصمات خلل ما- إداريا – كان باديا في ناحية توفير النظافة – دورات المياه بشكل أخص- وفي الأوامر المركزية الشديدة- كما هو في كل مرفق عام بكل أسف، فيتحول الكادر إلى ظل للإدارة، ومنفذ سلبي لأوامر وتعليمات..
قد لا تكون مصيبة.
ما لم تكن المشاركة فاعلة بين الإدارة المسيِِِرة للأمور لا المستبدة بها.
ولكن المجتعات المتخلفة لا تنفك تتجاهل هذه الحقيقة والتي هي دوما سبب في الخلل المستديم.
وربما يسهل ذلك على النزلاء (المرضى) أيضا بعض عناء الشعور بالوحدة، وفيما يتعلق بالضرورات..
يمكن البحث عن معالجة واقعية لها.
ويدخل ضمن محاولة البحث .
برأيي، إن إعطاء حرية كافية للكادر المشرف للتحكم في عمليات الزيارة دون خوف من سيف العقاب خير من التعليمات المركزية الشديدة (المقررة بأسلوب روتيني ونظري لا يمكن تطبيقها في النهاية).
وهذا ينعكس أخيرا في تطبيق مشوه لها ، وعلاقة غير صحيحة بين الإدارات وبين الكوادر العاملة – مهما كانت- ومن ثم انعكاس سيئ على الخدمات بشكل عام يدفع النزلاء -في الحصيلة – ضريبتها الأشد، فهو الأكثر تضررا في النهاية.
بل وإن الإدارات – في هذه الحال- تعتاد العمل دون حساب، مما قد يوقعها في أخطاء مقصودة استجابة لنزوع ((النفس الأمارة بالسوء)) وهذا ما هو حاصل في المجتمعات المتخلفة وخاصة تلك الشمولية في الحكم فيها..
الموجب: راحة النزيل والمحافظة على هدوء الجو وربما نظافة الأرض من أرجل قد تحمل معها بعض عناصر ممرضة….
ولكن واقع القرار فيه ارتجال لا حدود له، فهو قرار تحكمي في المستشفى بعقلية أشبه بالعسكرية والشكلية غير المجدية.
فمثلا كانت إلى جانبي نزيلة مسنة (خانم) ويبدو أن طبيعة مرضها كانت قاسية، تصيح وتتألم، وتحتاج في كل لحظة إلى تغيير وضعيتها..
ولا تستطيع هي ذلك بنفسها، وبلا شك، ليست الممرضة متفرغة لها – على فرض أنها ستستجيب لمساعدتها دائما بروحية ملاك الرحمة المفترضة..- لم لا يكون مرافقها إلى جانبها بطريقة تنظمها اللوائح بشكل واقعي، ويتلى عليها واجباتها للحفاظ على هدوء المستشفى مثلا..؟ ولكن يبدو أن هدوء المستشفى ونظافته ليست هي الغاية من اللوائح المتزمتة، وإنما العقلية الإدارية المشبعة بروح التحكم – كما هو الحال في نظام التفكير الشمولي لعناصر السلطة وفي أي مستوى كان، فالسياسة والروح الأمنية والمصلحية –المباشرة وغير المباشرة- حاضرة أكثر في كل مؤسسة، مما يفقدها فعالية الخدمات التي يمكن أن توفر لها من كوادر هي مؤهلة لو تمتعت بقدر كاف من الحرية بالتصرف وعلى مسؤوليتها.
وهذا النمط من الشعور بالمسؤولية ينضج هذا الشعور باستمرار مادامت القوانين تحسن تحديد وضبط إيقاع السلوك دائما بروحية تهدف لخدمة الإنسان (المواطن) لا فقط الإنسان المسؤول(الإداري..).!
ولا يعرف كيف يتعامل معها- خاصة إذا كان أميا أو بسيطا ..
ويعاين أحيانا بشكلية لا تدخل السكينة والاطمئنان إلى قلب النزيل، فضلا عما يخلف هذا المسلك من إساءة لمشاعر النزيل- الذي يشعر بتعامل ذا طابع تجاري معه لا يتضمن الاهتمام به كإنسان ذي قيمة (وخلقنا الإنسان في أحسن تقويم).
والملاحظ أن المعاملة في العيادات تختلف .
وإذا كنا نقدر حق الطبيب في الحصول على ما يستحق من أتعاب وأجور (أجر معاينة –راتب – شروط العمل الصحيحة والمريحة لأدائه عمله..) إلا أننا نربأ بمن درس أكثر من ربع قرن علما، يتناسى هذا التحصيل ويتحول إلى مجرد اقتصادي يتعامل مع مهنته بقدر ما تجلبه من مال.
ففي الأحوال كلها يبقى مردود مهنته المالي جيدا ولا ضرورة لأن يقلل قيمته كإنسان من أجل بعض رفاهية – أحيانا تأباها نفوس عامرة بالمعنى الإنساني، فقط للمحافظة على البعد الإنساني في ذاته، مرتكزا إلى قيم ينتجها العقل وضرورات التعامل البشري اجتماعيا وأخلاقيا- مع توفر القدرة على هذه الرفاهية-.
في لحظات المرض والتألم؟!
وختاما أهدي أطيب تحياتي لكل من واساني مرة أخرى لأني لم أشأ أن أورد الأسماء الكثيرة فذلك قد لا يكون مألوفا في مناسبات كهذه.وليعذرني مرة أخرى من لم يرد اسمه فهو في القلب، وللموقف ضروراته المعروفة.